الموقف
السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
هل يتم الحسم يوم السبت
في مسألة التزامن أو الفصل ؟
** لماذا يريد النداء الرئاسية أولا
ولماذا تريد النهضة التزامن أو
التشريعية أولا؟
تونس/ الصواب / 6/6/2014
اختلطت الأوراق بشأن قضية الحسم بين
التزامن أو الفصل في مسألة إجراء الانتخابات.
ففي خلال فترة الأنظمة السابقة التي
مرت على البلاد، وبقطع النظر عن مدى جدية تلك الانتخابات ( الملاحظ أن الانتخابات
الوحيدة التي اتسمت بشيء من النزاهة كانت انتخابات المجلس القومي التأسيسي في مارس
1956، والانتخابات البلدية اللاحقة بعد عامين والتي شهدت نجاح قائمات شيوعية في نابل والمنستير.) ففي خلال تلك الفترة تم اعتماد التزامن بين
الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية.
وفي ما عدا سنوات 1979 و1981 و1986 التي لم تعرف انتخابات رئاسية
بعد أن أصبحت الرئاسة مدى الحياة على مقاس
الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة ، فإن الانتخابات كانت تجري بصورة متزامنة.
واقتصرت انتخابات 23 أكتوبر 2011 الوحيدة التي جرت بعد الثورة، على تصويت
تشريعي، وسيصار بعد ذلك إلى انتخاب رئيس للجمهورية عن طريق المجلس التأسيسي وهو ما جعل الكثير من التونسيين يعتبرون شرعية
رئيس الدولة مخدوشة ، وهناك من يقول انه انتخب بـ7 آلاف صوت، كل ذلك في إطار ما كانت تسعى إليه النهضة، وما
كانت تسعى له مختلف الأحزاب وما اتجهت
إليه الجهات المتنفذة في البلاد، حتى المستقلة منها ، من القطع مع نظام رئاسي أو حتى نظام رئاسوي كامل كان قائما، والاستعاضة
عنه بنظام برلماني مع المحافظة على بعض الصلاحيات لرئيس الجمهورية، وانتقل مركز
الثقل في تحديد السياسات من قصر قرطاج ، إلى قصر الحكومة في القصبة، وتحول مكتب
بورقيبة في القصبة الذي ظل طويلا غير مشغول إلي مكتب لرئيس الحكومة. ومبدئيا فقد
انتهى عهد النظام الرئاسي للحكم بذلك ، وجاء عهد نظام برلماني، وإن كان غير كامل
ولا واضح المعالم ، حتى وفقا للدستور الجديد الذي أبقى صلاحيات معينة لرئيس
الجمهورية بعكس ما هو الشأن في الأنظمة البرلمانية ، حيث إن الملك أو رئيس الجمهورية
( حسب الحالات) "يملك" ولا يحكم.
وبحكم هذه المعطيات أصبح لرئيس
الجمهورية في الحكم القادم، وزن سياسي
يستمده من مقتضيات الدستور.
وبحكم طبيعة شخصيته (كان من كان) فإن
تلك الصلاحيات يمكن أن تتمدد أو تتقلص.
ومن هنا جاءت أهمية المنصب ، فهو ليس
منصبا تشريفاتيا ، بل له قول في المذهب ، وله كلمته خاصة بشأن قطاعات ثلاثة على الأقل ، هي الخارجية والأمن والجيش ، بل لعله يمكن أن تكون كلمته هي الكلمة
الفصل.
وفي البلدان التي يكون فيها منصب رئيس
الدولة تشريفاتيا ، نجد أن المنصب يأتي تتويجا لحياة سياسية حافلة ، كان فيها
المعني صاحب قرار وجاء الوقت به للركون
للراحة دون القطع تماما مع النشاط السياسي ، ويكون فيه الرئيس وغالبا من الحزب
المعارض بمثابة الحكيم والمرجع ، ولن يكون الرئيس في تونس واقعا تحت هذه المقاييس
وفقا للدستور الجديد ، ولكنه سيكون أشبه بما نجده لدى رئيس البرتغال ، خاضعا لنظام
مزدوج. وله صلاحيات محددة ومضبوطة ولكن أحيانا بالاشتراك مع رئيس الحكومة الذي هو
رئيس كل من وزراء الداخلية والخارجية والدفاع.
**
من هنا يأتي الاهتمام بمنصب رئيس
الدولة في بلادنا ، فهو ليس خاليا من الصلاحيات ، إضافة إلى أهمية المنصب معنويا ،
وفي المخيال العام بعد تجربة نصف قرن ، وهو
لا يخلو من التذكير بأن البلاد عاشت على مدى يقارب 50 سنة مع نظام رئاسي وحتى
رئاسوي يجمع فيه الرئيس كل خيوط القرار،
ويصل به مجال الصلاحيات لكل الميادين كبيرها وصغيرها.
وهناك أسباب مختلفة تدفع العديد من الشخصيات
الوطنية للحلم بتولي رئاسة الدولة.
** وكان السيد أحمد نجيب الشابي أول
من ظهرت طموحاته الرئاسية ، بمجرد نجاح حركة 14 جانفي الثورية وهروب الرئيس السابق ، وكانت نظرته تقوم
على عناصر كانت لو تحققت تدفعه إلى منصب الرئاسة بدون منافسة أو تكاد ، فقد كان يتمتع بشعبية واسعة ، وبماض نضالي طويل
، ولم يكن تورط في أي وقت مع النظام السابق بعكس آخرين ، غير أن تطورات حصلت حالت
بينه وبين طموحاته ، وإذ قامت استراتيجيته على ركيزة متمثلة في تعديل دستوري عن
طريق مجلس النواب القائم والموروث من العهد السابق ، وإجراء انتخابات رئاسية
وتشريعية تعددية في فترة ما بين 90 و120 يوما بما تتطلبه التعديلات الدستورية من
مهلة، فإن القصبة 1 ثم القصبة 2 وما دعتا إليه من تغيير في العمق ، وحل المجلس
القائم وإسقاط حكومة محمد الغنوشي ،
والدعوة لانتخاب مجلس تأسيسي يصوغ دستورا جديدا ، وتنبثق منه مؤسسات جديدة للحكم
والتأسيس والتشريع . أسقطت أحلام الشابي.
كانت تلك استراتيجية حركة النهضة
والجبهة الشعبية فقد اجتمعا وبينهما بينهما من تناقض على اتفاق غير مسبق على القطع مع مؤسسات النظام السابق ، ورغم ذلك
فإن كل عمليات سبر الآراء كانت تتوقع لحزب الشابي صورة وردية ، خيمت عليها واقعيا
ظلال قاتمة ، فلم تر أحلامه النور.
** ثاني المرشحين للرئاسة
بعد الثورة وكانت تحيط به أحلام وردية ،
ووعود خلابة خاصة من النهضة ، كان الباجي قائد السبسي، ولعل الوعود التي أعطيت له
كانت من القوة داخليا وخارجيا ما جعله مؤمنا بأنه سيتوج حياته السياسية برئاسة
الدولة ، غير أن دخول منصف المرزوقي على الخط ، واشتراطه لدخول الائتلاف مع النهضة
نيل الرئاسة قد خلط الأوراق ، فما استطاعت
النهضة الإيفاء بوعودها ، ولا استطاع الباجي قائد السبسي أن يحقق أحلامه ولو لفترة
انتقالية ، ربما اعتقد الجميع وقتها أنها لن تفوق سنة.
** ثالث
المرشحين للرئاسة كان منصف المرزوقي كان يبدو الأقل حظوظا ، فالذين يعرفونه جيدا
وفيما عدا نضاله الحقوقي ، لم يكونوا يتوقعون له أن يصل إلى ما اقتنع به من أنه
سيصبح رئيسا لتونس ، ولكن وصول حزبه "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي كان مجرد تنظيم صغير ، لم يكن قد قام بنضال
سياسي مشهود خلال فترة الحكم السابق ، إذن وصوله في المرتبة الثانية بين الأحزاب وفرض نفسه كطرف لا غنى عنه لتشكيل
الحكومة رشحه للمنصب ، وكانت عملية انقلاب النهضة على وعودها فرصته للانقضاض على
المنصب ، وبدل سنة في الرئاسة سيكون من حظه أن يكون رئيسا للبلاد لمدة ثلاث سنوات
تزيد. ولكن أي رئيس؟
**
واليوم
فإن منصب رئيس الجمهورية هو محط آمال كثيرين
وبالرتيب
حسب آخر استطلاعات الرأي العام الباجي قائد السبسي الذي أزيلت من أمامه كل الحواجز
بما فيها العزل السياسي ، وحمادي الجبالي ومحمد عبو وحمة الهمامي ، ومنصف المرزوقي
وكمال مرجان ثم وبعيدا كل من مصطفى بن جعفر وآخرين.
في
هذه المرحلة ، المعركة تدور حول التزامن من عدمه ، وهل يتم الفصل بين الانتخابات
أم تجري رئاسية وتشريعية في وقت واحد.
نداء
تونس الذي أخذ يتفرد بطليعة الترتيب حسب سبر الآراء الأخير رئاسيا وتشريعيا إذا
صحت التنبؤات ، يأمل في أسبقية الرئاسيات وله أسبابه في ذلك ، والكثير من الأحزاب
وراءه.
والنهضة
تدعو للتزامن، وإذا كان لا بد من فصل فالتشريعية هي الأولى.
ذذ
لماذا
هذا الموقف وذاك :
هناك
أسباب موضوعية لا تخفى على كل محلل فطن:
*نداء
تونس يريد انتخابات رئاسية سابقة للتشريعية ، وهو يقدم أسبابا عديدة لذلك ، لكن
السبب غير المعلن ، يتمثل في أن ما يأمله النداء من نجاح مرشحه رئاسيا ، سيدفع
لدينامكية معينة في الانتخابات التشريعية بحيث إن لم يحصل على أغلبية برلمانية
مطلقة فعلى الأقل على أغلبية نسبية عالية ، تمكنه من خيارات متعددة بين الأحزاب
التي ستؤثث البرلمان الجديد ويجعلها تتسابق للالتحاق به في الحكومة ، خصوصا وأنها
كلها بما فيها النهضة لا برنامج واضح لديها.
وهذا
الخيار أي رئاسة في يد السبسي مع أغلبية مطلقة أو نسبية عالية تعود بنا ، وتحت
مظلة نظام برلماني أو نظام مزدوج إلى حقيقة نظام رئاسي ، يحكمه شخص وحزبه بصورة
فعلية.
أما
النهضة فإنها تفضل التزامن ، أو على الأقل الفصل على أساس أسبقية التشريعية ، حتى
لا تسقط الانتخابات في كماشة ديناميكية نتائج انتخابات رئاسية يفوز فيها الباجي
قائد السبسي ويحصل حزبه على نتائج عالية في التشريعيات ، وبالتالي انتخابات تترك الحظ وافرا لتنوع برلماني من أحزاب متعددة لا يحكمها تسلط حزب متميز ،
وهو ما سيؤدي إلى قلة استقرار يذكر بالجمهورية الفرنسية الرابعة.
ومن
وجهة نظرنا فلكل التصورين ما يتناقض جذريا مع فلسفة الدستور الجديد ، سواء كان
الأمر رئاسيا مقنعا ، أو برلمانيا متشرذما ، وهو ما لم يكن ينتظره أو يتوقعه الشعب
التونسي ونخبه ، الذي يسعى لأن لا يعود نظام رئاسي متسلط ولا يأتي نظام سياسي
يتميز بالتشرذم وقلة القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة والجريئة التي تحتاجها
البلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق