الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الزمن الانتخابي .. الخلفيات ،،
والتداعيات
تونس / الصواب /19/6/2014
قبل آخر الأسبوع ، والغالب يوم السبت
21 جوان الحالي ، يتم التحديد الرسمي والنهائي للمواعيد الانتخابية المقبلة.
وباعتبار المقتضيات الدستورية والقانونية
فإن تلك الانتخابات ستجري في أواخر أكتوبر بالنسبة للتشريعية البرلمانية ، يكاد
يكون يوما بيوم بعد ثلاث سنوات على انتخابات 23 أكتوبر 2011، وطبعا في دورة واحدة
باعتبار طريقة الانتخاب القائمة ، كما كان الأمر قبل ثلاثة أعوام على أساس التصويت
بالنسبية على القائمات وبأعلى البقايا.
كما ستجري الانتخابات الرئاسية في
موعد أواخر نوفمبر المقبل ، واحتمالا إذا احتاج الأمر لدورة ثانية ( وغالبا سيحتاج
) في أواخر ديسمبر 2014.
وإذ ستجري الانتخابات التشريعية في
شهر أكتوبر 2014 وتظهر نتائجها على الأقصى في بدايات نوفمبر بعد الانتهاء من النظر
في كل الطعون المحتملة، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كان رئيس الجمهورية المؤقت (
قد بقي في منصبه ولا شيء دستوريا أو قانونيا يمنعه من ذلك ، والتعلل بالأخلاقية
غير كاف في حد ذاته لدفعه على الاستقالة )، إذن هو ما إذا كان رئيس الجمهورية المؤقت
، هو الذي سيدعو ، زعيم الحزب الفائز ولو بأغلبية نسبية لتشكيل الحكومة، أو إنه
سيترك الأمر لخلفه ( مهما كان وربما يكون هو نفس الشخص) ، أم إنه سيترك الأمر
للرئيس المنتخب في أواخر نوفمبر أو أواخر ديسمبر 2014 ( حسبما يحتاج الأمر إلى
دورة أو دورتين ) ، لتعيين رئيس جديد للحكومة ، بحيث تبقى حكومة التكنوقراط
الحالية لتصريف الأعمال.
ولكن ما هي الظروف التي حفت باختيار
الزمن الانتخابي المنبثق من "الحوار الوطني " .
لنذكر أن حركة نداء تونس ، كانت هي
أول من اقترح الفصل بين المسارين الانتخابيين ، ولم يكن ذلك المقترح بريئا، بل كان
يعتمد حسابات سياسية محددة، فقد كان النداء يتكهن بأن نتائج الانتخابات الرئاسية
لن تفلت من بين يديه مهما كان الحال سواء بالنجاح في الدورة الأولى أو الدورة
الثانية ، وكانت حركة الباجي قائد السبسي تسعى لتوظيف ذلك النجاح الذي تتوقعه اعتمادا على نتائج استطلاعات الرأي التي
تعطي الباجي أسبقية مريحة تجاه أي من المرشحين الآخرين ، وخاصة رئيس الجمهورية
الحالي ، الذي لا يأتي إلا في مرتبة ثالثة أو رابعة في دورة أولى تبدو محسومة وفقا
لتقديرات طبقة سياسية ما زالت رغم ذلك تتلمس طريقها ، وتقف موقف التشكيك من
استطلاعات الرأي.
ويعتقد زعماء نداء تونس ، أن احتمال
نجاح مرشحهم ، سيعطيهم ديناميكية مؤثرة في انتخابات تشريعية لاحقة، كما دلت
التجارب في عدد من البلدان ومنها فرنسا بالخصوص.
ولذلك فقد نادوا أولا بالفصل بين
المسارين الانتخابيين
، وثانيا إلى أسبقية الانتخابات الرئاسية، ليقطفوا ثمرة نجاحهم المتوقع في
الانتخابات اللاحقة أي التشريعية.
غير أن حركة النهضة تفطنت إلى
المناورة ، ومقاصدها البعيدة، لذلك أصرت بداية على التزامن بين المسارين
الانتخابيين ، ثم وأمام تواجد أغلبية من الأحزاب مع الفصل بين المسارين، عدلت
موقفها بصورة براغماتية أصبحت تتقن اللعب على حبلها، وإذ استجاب الحوار الوطني من خلال وفاق قائم هو الآخر على
التصويت لا وفاق حقيقي ، إلى طلبات حركة النهضة ، فقد وجد الباجي قائد السبسي
وأنصاره أنفسهم في التسلل ، ولن يجنوا أي استفادة من الفصل بين الانتخابين كما
أملوا وكما منوا النفس.
بل على العكس
، لقد بدا وكأن حركة راشد الغنوشي قد حققت نقاطا إيجابية، بعد أشهر عديدة من
الصعوبات التي مرت بها على المستوى السياسي والتي انتهت بإزاحتها من الحكومة، وإن
بقيت هي وأنصارها مسيطرة على المجلس التأسيسي بمعية المؤتمر والتكتل وآخرين.
ماذا يعني ما
حصل من فصل ،وبهذه الطريقة وما هي الاحتمالات التي تؤدي إليها.؟
لقد انتهينا
من الفصل بأسبقية الانتخابات الرئاسية، التي كان مؤملا عند حركة النداء أن
تعطيها رافعة حقيقية للسيطرة الفعلية على
الحكم، وإذ كان الأمل لديها في أن انتخابات رئاسية سابقة للتشريعية ستعطيها
ديناميكية حقيقية ، تمكنها إن لم يكن من السيطرة على البرلمان المقبل وهذا يبدو
مستحيلا في ظل طريقة الاقتراع المعتمدة ، مضافا إليها مقتضيات القانون الانتخابي ورفض العنصرين المؤديين للحد من التشتت عبر عتبة التصويت وعبر التزكية
، فعلى الأقل من الحصول على أغلبية نسبية مريحة تدفع بالأحزاب الصغيرة للتدافع على
بابها للانضمام إليها توسلا للحصول على كراسي وزارية تعتبر فتاتا للترضية وغير مؤثرة،
كما كان مع النهضة والترويكا التي كانت مجرورة فقط وراء قاطرة قوية هي حركة راشد
الغنوشي.
اليوم انتهينا من الفصل بهذه الطريقة
، التي تركت جروحا في نفوس قيادات النداء، تبدو عميقة باعتبار تصويت ثلاثة أحزاب
على الأقل من اتحاد تونس لفائدة الفصل بإعطاء أسبقية للتشريعية على الرئاسية ، كما
كانت ترغب النهضة في مواجهة لنداء تونس.
وكان رد الفعل سريعا وشمل لا فقط
الأحزاب التي صوتت لفائدة ما دعت إليه النهضة بل حتى الأحزاب الأخرى التي كانت في
تحالف عميق مع النداء، حيث سقط قرار سي الباجي بأن النداء سيقدم قائماته الانتخابية
منفردا ، لا في تحالف مع الأحزاب الأخرى ، وعلى أساس أنه يرحب في قائماته بشخصيات من تلك الأحزاب ومن المستقلين لا
بصفتهم تلك ولكن كمكونات تحت راية النداء لا تحت راية أحزابهم في ائتلاف ربما غير
متكافئ ولكنه موجود.
وقد آلم هذا القرار كثيرا ، ولكنه كان
الرد المتوقع على عدم انتظام الاتحاد من أجل تونس، والخذلان من طرف بعض مكوناته
لسي الباجي.
وفي هذه الحالة فإن النداء ترك شركائه
في موقف حرج، فإن ترشحوا على قائماته لا قائمات انتخابية ائتلافية فإنهم سيفقدون ذلك الوزن بصفتهم كيانات مستقلة ،
كما إنهم لن يكونوا في المراتب الأولى على تلك القائمات وهي المراتب التي تضمن
الحد الأدنى من احتمالات النجاح، وإن ترشحوا منفردين وفي قائمات خاصة بهم فإن حظوظ
نجاحهم ستكون ضئيلة في ظل تجاذب ثنائي أخذ بالتعاظم.
غير أن الانتخابات التشريعية المقبلة
ستكون على شاكلة الانتخابات السابقة لـ 23 أكتوبر 2011 ، من حيث تشتت الأصوات
، حيث بقيت جملة 1.5 مليون من الأصوات خارج قدرة على الإستفادة من
توزيع المقاعد ، أي قرابة ثلث المصوتين الذين لم يروا أثرا لتصويتهم.
وإذا كانت النهضة قد استفادت من هذه
الحالة في الانتخابات السابقة ، فمن سيكون المستفيد هذه المرة ؟
صناديق الاقتراع وحدها هي التي يمكن
أن تجيب ، وهل ستستفيد النهضة من هذه الحالة أم نداء تونس، وهذا مرتبط بالحزب الأول الذي سيجمع أكبر عدد
من المقاعد في البرلمان المقبل.
والواضح هنا أن الطبقة السياسية لم
تستفد من التجربة السابقة، وستدخل الانتخابات بمزيد الضبابية عن الانتخابات
الأخيرة، وستتوزع المقاعد بشكل عشوائي، وربما لن تكون هناك أغلبية واضحة تمكن من
القدرة على الحكم ، والحسم في قضايا مصيرية ، لم تحاول حكومة المهدي جمعة بعد 4
أشهر من تنصيبها الحسم فيها ولا هي على نية حقيقية للحسم.
لو مر مقترح نداء تونس بأسبقية
الرئاسية ، توسلا للحصول على أغلبية برلمانية ولو نسبية كبيرة، لوجدت البلاد نفسها
في حالة سياسية أشبه بنظام رئاسي مقنع ، تكون فيه خيوط القرار مجموعة في يد حزب
واحد ، ولعله شخص واحد هو الباجي قائد السبسي ، رئيس الجمهورية ، وقائد أغلبية ولو
نسبية كبيرة ، و" مشينا مشينا ورجعنا لنقطة الانطلاق".
أما وقد مر المقترح الثاني أي أسبقية
التشريعية ، فإنه ومهما كانت الأغلبية النسبية فإن ما قد ينتظر البلاد، هو ضعف في
الاستقرار وانعدام قرار ، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى حزم وخاصة في مجال السياسات الاقتصادية، فهل سيكون
الباجي قائد السبسي قادرا في حالة انتخابه رئيسا
على مسك البلاد ، والتأثير في الحكومة، أم سيكون وبصلاحيات محدودة جدا في
نفس تخبط الرئيس المؤقت الحالي ، وقلة تأثيره ، والتزامه بخط النهضة أو الحزب الذي
ستكون له أغلبية نسبية ، والأول في نتائج انتخابات أريد لها وللبلاد أن لا تكون
حاسمة.
مؤكد أن الباجي مختلف مهما كانت
النتيجة، وأنه رئيسا لن يكون على سلبية سلفه، وأنه بأغلبية نسبية أو بدونها ، فإنه
سيكون رقما فاعلا إن حصل كما يتمنى على المنصب الرئاسي المأمول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق