اقتصاديات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
وعود في الهواء ..
نحو الانكماش
الاقتصادي بخطى مسرعة
تونس / الصواب / 23/2019
عندما كانت الحكومة بمناسبة نقاش
الميزانية في أوخر العام المنقضي ، تبشر بالعودة إلى نسبة نمو متحسنة ، تقطع
مع الوضع السابق السيء ، بحوالي 2.8 في
المائة ، لم يكن الكثيرون يصدقون ، فالأفق لم يكن يبشر بذلك ، وعلى ذلك الأساس
كانت الحكومة سخية ، في صرف زيادات للقطاعين العام والخاص والوظيفة العمومية ، بعد
تمنع وتحمل حالة إضراب عام ، رغم تحذيرات صندوق النقد الدولي ، ومشاهدتها الوعود
الممقطوعة لعدم زيادات الأجور، وعلاج قطاع الدعم والهدر المصاحب له ، وباعتبار
نكوص الحكومة عن تعهداتها فإن الصندوق فكر طويلا قبل أن يقبل وبإلحاح تونسي كبير، أن يصرف قسطا آخر من القرض الموعود ، مفتاح
الحصول على قروض أخرى من جهات دولية .
كان القول الحكومي إن البلاد خرجت من
عنق الزجاجة ، وهي على طريق سالك للنمو ، وكانت اللهجة تبدو متفائلة ، غير أن
خبراء ممن أثق بهم وتقارير البنك المركزي لم تكن متفائلة ، وبقيت بين بين ، من
أصدق ، وإذ لم يكن صندوق النقد الدولي بمثل هذه النظرة التفاؤلية ، فإن خبراءه
كانوا يروجون لنسبة نمو ضعيفة ، ولكن غير حادة كما رأينا لاحقا، شخصيا وبعد كل هذا
كنت أنتظر نسبة نمو للثلاثية الأولى بحوالي 2 في المائة ، أما أن تبرز نائج تلك
الثلاثية نسبة نمو لا تتجاوز 1.1 في المائة ، فإنها كانت كجلمود صخر سقط علينا من
علي ، على رأي الشاعر الجاهلي.
نسبة النمو متدنية لهذا الحد ما تعني للذين لا يدركون ، تعني استثمارات أقل ،
وتوفير فرص عمل أقل ، ودخول المرحلة التي تسبق الانكماش أو الركود الاقتصادي.
لست غراب البين لأبني على الشاؤم
تشاؤما أكبر ، ولكني أعرف والكثيرون يعرفون ، أننا في أزمة حادة ، وأن الوعود
الواعدة بقرب الخروج من عنق الزجاحة لم تكن في محلها ، وأن العام 2020 لن يشهد العودة إلى نسق نمو قريب من الطبيعي ،
والطبيعي في نظري شخصيا وباعتبار إمكانياتنا الكامة هو ما بين 5 و7 في المائة ،
كما في مصر وكما في أثيوبيا دون الحديث عن رواندا التي تحقق نسب نمو برقمين أي
أكثر من 10 في المائة ، أو حتى السينغال أو ساحل العاج ،حيث أخذت الإصلاحات تؤتي
أكلها ، ونسب النمو العالية تمكن من توفير الكفاية ما يمكن من استثمارات منتجة
مباشرة ، وبالتالي احتواء البطالة ، والحد من آثارها المدمرة ، فاليد العاملة العاطلة لا تنتج ، وهي بطبيعة الحال مستهلكة
، سؤال كيف سيكون المستقبل ، في ظل
إكراهات كثيرة ، منها الارتفاع المرتقب في أسعار البترول في السوق الدولية في ظل
التطورات والأحاث الأخيرة ، والآثار
المدمرة لانهيار الدينار ، الذي من المفروض إن يقلص التوريد ، ويعطي دفعة للتصدير
، ولكن ماذا نصدر ، والمواد غير الفلاحية من زيت زيتون وتمور وحمضيات وأسماك ،
تتأرجح بين الاستقرار والتراجع فيما
التوريد يواصل نسق بلاد غنية، وحتى الخدمات ليست في أحسن أحوالها ، ونقص السيولة ،
وكف البنوك عن تمويل القروض الاستهلاكية ، خصوصا بعد نضوب السيولة عندنا لسحوبات
الدولة التي استدارت للسوق المالية المحلية فتحلبها حتى يتحول حليبها إلى دم
الحياة ، تراحع الاستهلاك يهدد أحد روافع النمو والرافعة الوحيدة الباقية
أي الإستهلاك ، وإن كنا لا نستهلك ما ننتج ، دليل ذلك انخرام توازن الميزان
التجاري الذي يزداذ ثلاثية بعد ثلاثية ولم ينفع معه علاج ، بعكس كل ما قيل
فإن الوضع الاقتصادي يزداد سوء ، كما التوازنات المالية المنخرمة .
وكل الأمل أن لا تكون نسبة 1.1 في المائة هي
قدرنا المقبل ، هذا إذا لم نصل إلى ما وصلته تركيا من انكماش ثلاثية بعد ثلاثية ،
وهي الحالة التي وصلناها سنة 2011 ، والتي يصعب الخروج منها.
أما الأمل في عودة المواطنين للجهد
والعمل فقد أصبنا باليأس منها. في انتظار
أن نواجه أياما أصعب تبدو الأوضاع الحاية
لا شيء أمامها .