عربيات
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
سوريا التي
تبعثرت أوراقها مرة أخرى
تونس /
الصواب /24/12/2018،
بعد القرار
المفاجئ للرئيس الأمريكي ترامب ، بالانسحاب المعلن من سوريا ، ما هو حساب الربح
والخسارة في هذا القرار .
المصفقون من
العرب اعتبروا سوريا هي المنتصرة بعد سبع سنوات أو هي ثمانية من " الحرب
الأهلية " المدمرة ، بنتيجتها التي تراوح حسب المصادر بيت 350 ألف و500 ألف
من القتلى أي 2 في المائة من السكان ، و6 ملايين مهجر أي 25 في المائة من السكان ،
مع دمار في المدن يساوي في أفضل الحالات 50 في المائة من المساكن مع ما يتبعها
، فضلا عن بنية تحتية تحتاج إلى ترميم
شامل.
عرب آخرون
ممن وقفوا إلى جانب داعش والقاعدة والنصرة في مقدمتهم قطر وربما السعودية ، اعتبروها هزيمة لهم وانتصارا للعدو الألد
طهران ، واستذكروا مئات آلاف مليارات الدولارات ، التي "استثمروها
" في تأييد كل أوجه التطرف عبر
العالم العربي ، تونس إلى ليبيا إلى مصر
إلى اليمن إلى سوريا إلى العراق ، ويبدو
أن هزيمتهم كانت فادحة اليوم.
ولعل للمرء
أن يقول اليوم أن أحد أكبر المنتصرين هو بشار الأسد ، والفرقة العلوية التي حكمت سوريا بالحديد
والنار منذ بداية السبعينات ، وأن الخسارة كبيرة للشعب السوري الذي تطلع في تلك
الأيام لثورة سلمية في سنة 2011، تقوده
مثلما كان مؤملا في تونس وقتها إلى نظام
ديمقراطي ، تسوده قيم الكونية وحقوق الإنسان ، ولكنه جوبه بقبضة حديدية من حكامه
وفي مقدمتهم الفرقة العلوية الشيعية التي قوامها 6 في المائة من السكان ، ولكنها تحتكر السلطة في
البلاد ، وإذ ربح الشعب السوري شيئا بعد كل هذه المعاناة ، وقد أصبحت بلاده أنقاضا
، فإنما ربح كونه لم يسقط تحت نير نمط مجتمعي ، لا علاقة له بحياة القرن الواحد
والعشرين.
ولكن هل ربحت
سوريا في حساب الربح والخسارة ، لنذكر أنها اليوم باتت هي ولبنان في قبضة نظام
الملالي في طهران ، كما هو شأن العراق ، وربما كما سيكون شأن اليمن الذي يعتبر اليوم حلبة صراع سني شيعي ، بواسطة طهران
أيضا التي جاءت لنصرة الزيديين ، وهم فرع
آخر من فروع الشيعة ، التي تمثل 12 في
المائة من مجموع عدد المسلمين في العالم
الذين يقدرون بمليار ونصف مليار ، ولكن أي الشيعة تبدو طموحاتهم كبيرة ، وفي مقدمتها السيطرة على
الأماكن المقدسة أي مكة والمدينة والقدس.
فبعد أن
استكملت إيران سيطرتها على العراق ، الذي تبلغ فيه نسبة الشيعة الإثني عشرية 65 في المائة ، وبعد أن
استكملت السيطرة على لبنان عبر حزب الله ، ها إن الولايات المتحدة تترك لها المجال
واسعا للسيطرة على سوريا ، مباشرة ، أو عن طريق الأقلية العلوية التي ينحدر منها
بشار الأسد وغالب القادة الكبار السوريين.
غير أن
ابتلاع سوريا من طرف طهران لن يكون بالأمر الهين ، وذلك لسببين اثنين :
1) أنه إذا كان العراق يتميز بأغلبيته الشيعية التي ينصرف جزء من ولائها لحوزة
قم وملالي طهران أكثر من النجف وكربلاء
وبغداد ، فإن غالب الشعب السوري هو من السنة ، وجزء منه من المسيحيين على مختلف
نحلهم ، أضف إلى ذلك أن بها أقلية كردية نشيطة ، تطمح لحكم نفسها بنفسها ، اكتسبت في ظل حرب السنوات السبع أو الثماني
نوعا من الاستقلال الذاتي لن تفرط فيه ، وتعض علية بالنواجذ ، وإن كان مهددا بعدوان تركي أردوغاني ، خوفا من
عدواه على أكراد تركيا ، المتمردين على حكم أنقرة.
2) ثانيهما أنه ولو بقي الحكم الأسدي متواصلا في سوريا ، فإنه سيسعى بحكم
إيديولوجيته لعدم الصدام مع العالم العربي ، الذي يعادي جانب منه سقوط سوريا لا في
خانة تركيا ذات مطامع عودة الخلافة ، ولا حكم طهران الشيعية التي تسعى لوضع
الأماكن المقدسة الاسلامية تحت مظلة أهل البيت.
وفوق هذا وذاك فإن روسيا لا ترى في سوريا بلدا تحت جناح
آخر غير جناحها وهي التي أنقذت الأسد وحكمه ، بتدخلها الحاسم منذ 2015 ، ما حال
دون الدواعش والآخرين من دخول دمشق وإقامة دولة الخلافة ، التي كان يطمح لها أيضا
أردوغان ، الذي يهزه الحنين للخلافة العثمانية التي سقطت منذ قرن ، وهناك أضغاث
أحلام برجوعها ، تحت لافتة أنقرة ، بدل الآستانة .
fouratiab@gmail.com