الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
في غياب طبقة سياسية واعية
لك الله يا تونس
** سفينة تغرق .. تغرق .. تغرق ؟؟؟
تونس / الصواب / 16/07/2018
ما عسى المرء أن يقول أمام سوء نية
طبقة سياسية لا تهمها مصلحة البلاد ، لا تتمتع بأدنى قدر من المسؤولية ، وهمها
خصومة سياسية تبرز فقرها الذهني والتفكيري .
ترددت أياما لأتشجع وآخذ قلمي بين
أصابعي ، أو على الأصح لوحة مفاتيح الكومبيوتر ، وشعور طاغ لدي بالغثيان ، باتت
شاشات التلفزيون ساحة لنقاش بلا مستوى بين " كبار الدولة " ، يوسف
الشاهد ، الذي أركبوه في رئاسة الحكومة وهو نكرة ، جزاء له على ما قام به من دور لتتويج
حافظ قائد السبسي الابن المدلل للرئيس السبسي في موقع لم يخلق له ولا له مؤهلاته ، في موقع ناله بالانقلاب على القيادة الشرعية
لنداء تونس ، لا بقوة ذاتية أو كاريزما ، وبقوة
الدولة التي يرأسها أبوه ، كما في الديكتاتوريات حيث حزب الدولة هو دولة الحزب ، والذي
استعمل شاشة القطاع العام ( الشاهد) ليقول
حقائق عن حليفه بالأمس ، خصمه اليوم ، ويحمله مسؤولية كل الفشل في الدولة وحزب
الدولة ، غير أن هذا الهجوم كان على ابن أبيه نجل رئيس الدولة ، تأخر رد فعل رئيس الدولة الباجي
قائد السبسي ولكن في " نسمة " القناة التي جندت نفسها لخدمة "حافظ"
، وجاء الأب ليدافع عن الابن ، الأحد الماضي في حوار لعله الأسوأ مهنيا مما
رأيت في حياة صحفية طويلة ، وعند إزالة المساحيق والمقدمات والمزينات ، فإن ما
يستنتجه المرء ، أن رئيس الدولة تسنده عائلته ، جاء فقط للدفاع عن ابنه الذي حول
نداء تونس من صرح هوى للقاع ، وبات مرادفا للفشل ، جاء لينتصر لابنه أساسا مما بدا
وأن الدولة هي مرادف لعائلة السبسي ، وأن الأمر في تونس أصبح شديد الشبه بالأمر في
كوريا الشمالية ، توريث دفع البلاد إلى الهاوية.
من خلال الكلام المنمق يقف المرء عند
أمرين اثنين :
-
إرادة واضحة في تثبيت الإبن على رأس الحزب
-
دعوة رئيس الحكومة الذي نصب غصبا الإبن على رأس الحزب بدون وجه حق لأحد
أمرين أيضا إما الاستقالة أو عرض نفسه على ثقة البرلمان.
وبذكائه
الخارق وقدرته الكبيرة على المناورة ، فإن رئيس الجمهورية قادر بهذه الصورة أو يظن
نفسه قادرا ، على الوصول إلى غرضه أي إسقاط الشاهد بالضربة القاضية ، وغالبا فإنه
يستطيع ذلك ، ولكنه أيضا يدخل رهانا غير مأمون العواقب .
فلو
رفض الشاهد وسيرفض قطعا الاستقالة ، ولم
تتوفر نسبة من التصويت في البرلمان لحجب الثقة عن الرجل ، فسيجد السبسي الأب نفسه في موقف حرج ، يبقى له أن يحل
البرلمان ويدعو لانتخابات تشريعية جديدة قبل الأوان ، وهو حل لا يريده ، فنتائج الانتخابات البلدية
التي قاد ابنه حزبه فيها إلى تقهقر غير مسبوق ، تبدو وكأنها مذاق أولي لهزيمة
منكرة في أي انتخابات مقبلة على مستقبل منظور ، فلا حزبه أي نداء تونس مستعد لها ،
ولا ماكينته الانتخابية التي أنجحته فيها ، أي رضا بالحاج ومحسن مرزوق يمكن أن
يدفعاه للنجاح .
ولذلك
فإن الباجي قائد السبسي يتهيب دخول تجربة انتخابية ليس واثقا من نتيجتها بل لعله
واثق من نتيجتها العكسية ، وبالتالي يبقى أمامه أحد حلين ، إما أن يستقيل الشاهد
الذي اعتبر في وقت من الأوقات ابنه الثاني ، ولا يبدو مطلقا أنه ينوي الاستقالة ،
وإما أن يصوت البرلمان وهذه أيضا غير مؤكدة ، ما دامت النهضة تطلب إبقاء الشاهد
الذي باتت الجهات البرلمانية المؤيدة له تتسع رقعتها ، ولذلك تبدو المغامرة غير
سليمة العواقب ، واستنتاجا فإن التهديد بنهاية الوفاق بين النهضة والنداء ، ليست
سوى ابتزازا للنهضة ، وليست النهضة في
وارد الاستجابة إليه ، وهي في كل الأحوال لا تستعجل الأمور ، والقناعة لديها أن
الانتخابات المقبلة في ظل تمزق نداء تونس أربا
إربا ، ستمكنها من أغلبية ولو نسبية كبيرة ، تؤهلها لتشكيل حكومة تكون لها
فيها اليد الطولى ، وإن اضطرت إلى توافق
مثلما حصل بعد انتخابات 2011 بزعامة النهضة ، أو 2014 بزعامة نداء تونس.
لكن
هل في الوارد أن تتحدى النهضة رئيس الجمهورية للآخر ، فلا تلجأ للتصويت ضد الشاهد
، كل شيء وارد ، وللنهضة حساباتها على المدى القصير ، ولكن خاصة على المدى المتوسط
والطويل.
الشاهد
نفسه من جهته يجلس على كرسي هزاز ، فإذا
اشتد اهتزازه يخشى عليه من أن يقذفه ، فالشاهد عندما أقدم على إقالة وزير الداخلية
لطفي ابراهم، كان يعرف أنه لا يستطيع
تعيين وزير مكانه يحتاج إلى ضمان أغلبية في البرلمان لتعيين خلف له ، وهذه
الأغلبية ( 109 أصوات ) غير مضمونة ، كما إن توفر 109 أصوات لسحب الثقة منه لا
يضمنها الباجي قائد السبسي ، خصوصا في ظل انشقاق جديد لمن أسموا أنفسهم اللجنة
السياسية بزعامة المقرب بين المقربين لحافظ قائد السبسي ، سفيان طوبال الذي يبدو
أنه قلب ظهر المجن لابن الرئيس فغادر ومجموعة مقربة منه السفينة قبل أن تغرق.
من
هنا فإن التوازن غير المستقر كما يقول رجال الرياضيات قد حصل ، فأنا لا أستطيع لك
شيئا وأنت بالمقابل لا تستطيع لي شيئا، ولكن وإذ تبدو المعادلة بلا حل فهناك أمران
اثنان يمكن أن يقلبا كل الاحتمالات :
أولهما
تسجيل انسحابات بالجملة من قبل الوزراء الندائيين أو حتى غير
الندائيين ، فلا يمكن للشاهد أن يحكم بوزارة منقوصة ،
فيضطره الأمر للجوء للبرلمان ، لطلب
التصويت على الوزراء الجدد ، للتعويض فلا يجد الأغلبية المطلوبة.
وثانيهما
أن توازن "الرعب " القائم الآن يجعل البلاد غير محكومة وهي تعاني ما
تعانيه من صعوبة ، فيزداد الأمر سوء
خصومة
الشاهدـ النهضة ، السبسيان ، ذات أثر بالغ على الحياة السياسية والاقتصادية
الاجتماعية ، فالدواليب كلها متوقفة ، والوزراء في حيرة من أمرهم ، هل يبقون أو
يصرفون ، وهذا الأمر هو الأكثر إضرارا بسير البلاد ، وتنميتها ومشاريعها،
والخصومات الشخصية التي تبعث على المسكنة ، و الانتشار الواسع لضعف روح المسؤولية في طبقة سياسية لا تتمتع بأي روح وطنية ، كلها
عناصر دافعة بالبلد ومستقبلها نحو هاوية سحيقة ، واحتمالات كبيرة من قلة الاستقرار
والاهتزاز.
كل
ذلك ليس مهما في نظر طبقة سياسية رديئة ، كل يحاول إنقاذ سفينته من الغرق ، ولكن
لا يهمه أن تغرق سفينة تونس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق