بكل هدوء
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
حتى نفهم وحتى
نستوعب الدرس
تونس / الصواب/09/07/2018
عندما سمعت بخبر العملية الارهابية
التي ارتكبت يوم الأحد وخسائرها البشرية الثقيلة ، أحسست بأن خنجرا حادا استقر في
قلبي ، فقد كنت أحد الذين اغتروا بالدعاية الحكومية وشركائها في الحكم بأنه تم
القضاء على الارهاب في تونس ، أو وعلى الأكثر إنه لم يعد قادرا على الضرب الموجع ،
شعرت بالغضب يجتاحني وبدت لي السلطة القائمة بكل مكوناتها وخاصة من نداء ونهضة ،
إما أنهم غير قادرين على إيقاف التيار أو غير راغبين .
صدفة يوم الاثنين و كنت في طريقي إلى وسط العاصمة توقفت حركة
المرور ، تاركة المجال لسيارات الحماية المدنية حاملة الأعلام خفاقة ، 6 في الجملة
، وحزرت أن توابيت الشهداء على ظهرها في اتجاه ثكنة الحرس الوطني في العوينة ، اختلط
في ذهني كل شيء وتبعثرت أفكاري ، تثلجت أوصالي ، وذرفت وأنا عصي الدمع ، دموعا حرى على هؤلاء الشباب الذين ذهبوا ضحية
الواجب ، وأيضا ضحية عجز فاضح ، ضحية
الارهاب الأعمى الذي رعته جهات تونسية ولكن أيضا مولته جهات أجنبية معلومة ، لا لذنب اقترفوه ، وإنما انتقاما من بلد بأسره ، شعبه مسلم ، والذين قاموا بالجريمة يعتبرون
أنفسهم مسلمين.
**
حتى نفهم ونضع الأمور في نصابها وبدون
تشنج لا بد من استرجاع بعض الشيء فترة قريبة اختلطت فيها المفاهيم ، أقول هذا وأنا أحد الذين دافعوا عن الاسلاميين وحقهم
في التواجد على الساحة ، وحقهم في أن لا يكونوا عرضة للاضطهاد ، مع اختلاف
كبير معهم بشأن نمط المجتمع الذي يبشرون
به.
جاءت الثورة، ودفعت صناديق الانتخاب
حركة النهضة إلى الصدارة، مع شركاء لم يكونوا في حجم لجم التجاوزات أو الحد منها.
ثلاثة أو أربعة أمور انساقت لها
النهضة ولم تقدر تأثيراتها اللاحقة ،بوصفها تعتبر نفسها حزبا مدنيا بمرجعية
إسلامية ، إضافة إلى أنه لا عهد لها بالحكم لا هي ولا شركاؤها :
-
أولها وأخطرها الاستعاضة عن مشائخ التراب ( العمد) بطاقم جديد لا يعرف
الأحياء ولا ساكنيها ، ولا يعرف نبض الحياة ، وبالتالي غير قادر على ملاحقة ما
يجري في الشارع ، وإني لأذكر في مرة قبل
الثورة كنت أحتاج فيها إلى وثيقة ، سألت عن موقع العمدة ، وجدت رجلا لم تسبق لي معرفة به
ولم أره من قبل ، وما إن دخلت حتى بادرني بالسلام ، وسماني بالاسم وكأننا معرفة قديمة ، العمد الجدد
لم يكونوا على إلمام بالناس ولذلك مر بين خيوط الشبكة الكثير ممن تبين لاحقا أنهم
من الإرهابيين، وكان الحكم الجديد في 2012 يعتقد أن العمد هم أتباع النظام
"البائد " ولذلك ينبغي التخلص منهم ، وبالتالي التخلص في نفس الوقت من
خبرتهم ومعرفتهم بكل ما يدور ويطرأ في "حومتهم "، وللمقارنة فإن بورقيبة
وأعضاده عندما استلموا الحكم ثبتوا من وجدوا في الأمن وفي سلك مشائخ التراب
واستفادوا من تجربتهم ، وبعضهم ممن عذبوا أنصار بورقيبة زمن الكفاح.
-
ثانيها إدخال بلبلة كبيرة في سلك الأمن بدعوى تنظيفه ، وحل ما أسمي
آنذاك بالبوليس السياسي ، أي الاستخبارات ، عين الدولة الساهرة (
أي دولة في العالم ) ، بدعوى
التورط في خدمة النظام المنهار ، و للحقيقة والواقع أن ذلك بدأ منذ 2011 ، بوزير داخلية غير واع بما يفعل ، وبإشارة من
سيدة للأسف أضرت بالبلاد أكثر مما نفعتها ، و سيقاسي الأمن طويلا مما أصابه من اضطراب ، وكان ذلك
حافزا على دخول الارهاب للبلاد.
-
ثالثها ، ما حصل على يدي وزير الفلاحة النهضاوي محمد بن سالم من إقالة
كل حراس الغابات les gardes champêtres ، العين الساهرة واليقظة في الغابات والجبال ،
وتعويضهم بمن اعتبروا من الاسلاميين ، ممن سنجد بعضهم لاحقا في صفوف الارهابيين .
-
رابعها ما دخل من مال قطري
بالخصوص ، لبعض الجمعيات المشبوهة ، لا يعرف أحد لليوم كيف وأين تم توظيفه .
-
الدور الذي لعبه من يسمون نفسهم بالدعاة تونسيين وأجانب ، فاستقبلوا بصورة رسمية في
المحافل وحتى في القصر الرئاسي.
**
عرفت
البلاد عمليات إرهابية فظيعة وكبيرة منذ 2012 ، ولم يشفع للحاكمين وقتها أن يكونوا من حركة
النهضة ، فطال الارهاب الجبال والمدن ، وحصلت لأول مرة منذ الاستقلال ، اغتيالات
لم يقع لليوم الكشف عن الذين كانوا وراءها لينالوا جزاءهم ، وتورطت النهضة في
التحالف مع جهات إرهابية معروفة ، لعل أبرزها
الليبي الإخواني عبد الحكيم بالحاج الذي كان زمنها يتردد على تونس باستمرار
، وتورطت الدولة التونسية زمن النهضة وبعد زمن النهضة في التعامل مع جهات إرهابية
ليبية معترفة بها كممثلة ليبيا وهي مجرد حالة انقلابية على انتخابات نزيهة وشفافة
دفعت للصدارة جهات مناوئة ، فتم استبعادها وهي تعود اليوم شيئا فشيئا للصدارة،
ليبيا الإ خوان هي التي صدرت لنا الإرهاب ، وفي الاعتقاد أنها ما زالت تصدر، وما حماية
"أبو عياض " وما انطلاق عملية بن قردان المخططة للسيطرة على الجنوب
التونسي ، وإعلان الإمارة الإسلامية منه والانطلاق منها لغزوة تونس ، إلا دلائل على تورط الإخوان المسلمين في ليبيا ، في محاولة
هز الاستقرار في تونس عبر كل الوسائل المتاحة بما فيها إذكاء حالة الإرهاب.
للواقع
تم كسر شوكة الارهاب ولم يعد قادرا على القيام وفق التقديرات بأي عملية ذات بال
حتى جاءت عملية عين سلطان الأخيرة ، تم
كسر شوكة الإرهاب وذلك منذ أن جاء حكم التوافق الندائي – النهضاوي ، أو على الأصح
التوافق بين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي ، ولعل ذلك هو الانجاز الوحيد منذ
الثورة ، فيما عدا دمقرطة البلاد التونسية
، الإنجاز الآخر الفعلي.
**
لكن
الملاحظ بعد عملية عين سلطان ،أن الإدانة
من طرف أنصار النهضة عبر الفايس بوك على الأقل ، وفي مستوى أصدقائي الافتراضيين ،
لم يكن بالقدر الكافي من القوة ، وإذ يبلغ عدد أصدقائي الافتراضيين على الفايس بوك
حوالي 5 آلاف ، حرصت على أن يكون نصفهم من الاسلاميين ، ممن أتفاعل معهم تأييدا أو
تناقضا ، فقد لاحظت غيابا شبه كامل للتنديد بالعملية الأخيرة من طرف الاغلبية من هؤلاء الأصدقاء الافتراضيين ، هذا بقطع النظر
عن القيادة ، وهو ما يطرح دوما تساؤلا حائرا حول مدى التوافق بين القيادة
والقواعد.
وبصورة
موضوعية من وجهة نظري ، فإن الشوط الذي قطعه الإسلاميون منذ السبعينيات طويل جدا ،
وكبير جدا ، وبالعودة لأدبيات سنوات السبعين ثم أدبيات الإسلاميين في الثمانينيات
وما بعدها وحتى بعد الثورة ، يبرز الفارق
الكبير الملاحظ منذ المؤتمر الأخير للنهضة
، للتأقلم مع طبيعة الدولة المدنية ،
توافقا مع ما جاء به دستور 2014 ، ولو بعد إلحاح على طبيعة تناقضاته الداخلية.
بعد
هذا وبعد الجهد المبذول خاصة من قبل الاستاذ راشد الغنوشي والتطور في المسار ( بسبب ما حدث في مصر بعد
التمرد ، أو بسبب أحداث صائفة 2013 في باردو أو بدون ذلك )، ليس فقط على الصعيد
النظري ، ولكن أيضا وخاصة على الصعيد العملي ، فهل يمكن اعتبار حركة النهضة حزبا
مدنيا ، محك التجربة وحده هو الذي يمكن أن يؤكد أو يفند ذلك ، وعندما تصبح النهضة الحزب الأول
المدعو لتشكيل الحكومة ( ربما بعد عام
ونيف بالنسق الحالي لانهيار نداء تونس أو نداء حافظ قائد السبسي )، سيتبين للناس
ما إذا كانت الحركة تحولت إلى ما يشبه الأحزاب المسيحية الديمقراطية في فصل الدين
عن السياسة ، لا فقط فصل الدعوي عن السياسي ، ويبقى الشك قائما ما دامت النهضة لم
تعلن انفصالها البائن عن تنظيم الإخوان المسلمين ، وما دام " شيخها "
يحتل مركزا مرموقا في المنظمة العالمية لعلماء المسلمين ، التي يرأسها يوسف
القرضاوي.
ومتى
أمنت النهضة كغيرها من الأحزاب العقائدية يمينا أو يسارا : "لا ولاء إلا
لتونس" ، تونس الوسطية ، تونس نهضة المشير أحمد باي ، تونس خير الدين ، تونس
قبادو ، تونس الثعالبي ، تونس الحداد
، تونس الطاهر والفاضل بن عاشور، تونس
بورقيبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق