بكل هدوء
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الباجي قائد السبسي
في صف الخاسرين
تونس/ الصواب/ 29/07/2018
كان بورقيبة طيلة حياته السياسية يربأ
بنفسه أن يكون في صف الخاسرين ، ولعل
أهم إعلان عن ذلك جاء في الرسالة الموجهة من قلعة سان نيكولا في مرسيليا حيث كان
معتقلا إلى الدكتور الحبيب ثامر ، داعيا رفاقه الباقين بتونس ، إلى عدم التورط مع المحور أي ألمانيا وإيطاليا واليابان ، وكان في
تقديره أن المحور سيخسر الحرب العالمية الثانية ، وبالتالي فإن حزب الدستور لا
ينبغي له أن يكون في صف الخاسرين ، بل في صف الفائزين حتى ينال جائزة مع من يربحون
المواجهة الكبرى. وكان تقديره أن الجائزة تتمثل في الاستقلال وفقا للنقط السبعة
الواردة في إعلان الرئيس الأمريكي ولسن.
ويبدو أن بورقيبة الذي قرأ جيدا كتاب
الأمير لـ "ماكيافللي "، استوعب منه الدرس.
وعلى العكس فإن الباجي قائد السبسي ،
الذي لا ينقصه الذكاء بل له منه قسط جد وافر ، ولا الدهاء الذي يعتبر سيدا فيه بلا
نظير في الوقت الحاضر ، لم يستفد من دروس بورقيبة الذي اقترب منه كثيرا وتعلم ،
فاندفع كالثور الهائج إلى موقع الخاسرين ، بالرغم من أن كل ذي تفكير سياسي سليم
كان يعرف مقدما إلى أين تتجه الريح . وأن هشام الفراتي سيكون وزيرا للداخلية
بإرادة الباجي وابنه أو بدون إرادتهما.
ما سبب سقطة الباجي قائد السبسي
المدوية ، وهو على ما هو عليه من ذكاء ودهاء، وهو ما هو عليه من حساب سياسي لا يخطئ عادة.؟
إنه ونقولها بدون مواربة ، خلط
السياسة بالعائلة أو بالشأن العائلي ، وانتصاره لابنه ولعائلته (ويقال لابنه
ولزوجته وزوجة ابنه) ، وإن كنا نحاول دوما تجنب الحديث عن الحياة الخاصة ، فضرر
هذا الخلط من طرف رئيس الجمهورية ، تجاوز
عائلته ،وتجاوز الحزب الذي أسسه ونجح بواسطته ، ضرر بلغ إلى تهديد توازنات الدولة ومستقبل نمطها المجتمعي، الذي قامت حركة
صيف 2013 بوضعه في مكانه الصحيح.
جاء الابن المدلل حافظ قائد السبسي ،
ولم يكن لا في العير ولا في النفير ، ليفرض نفسه بقوة الدولة لا بقوة إشعاع أو كاريزما ذاتية ولا خصال ظاهرة
ولا خفية ، كما في الديكتاتوريات ، على حزب كان ناجحا بدليل نتائج انتخابات 2014
الرئاسية والتشريعية ، في محاولة توريث ممجوجة ، لعلها كانت تستهدف جلوسه في مقعد
رئاسة الجمهورية خلفا لأبيه ، فتشظى الحزب وانقسم على نفسه إلى شقوق ، وكان صرحا فهوى .
منذ تولي حافظ شهر " حفوظة
" قيادة حزب أبيه ، أو هكذا يظن هو وأبوه ، والحزب الأول ، يتدحرج انقساما
ونتائج وقلة مصداقية ، فمن الموقع الأول وبالتدريج بات في الموقع الثالث ، خسر
المواقع ، وكان ذلك متوقعا ، فعندما حاول أبوه ترشيحه على رأس واحدة من القائمتين
الاثنتين في العاصمة تونس ، وكان الحزب في
أوج قوته ، قامت ضجة اضطر معها إلى الانسحاب ، فقد كان معلوما من هو وما هي قدراته
، وضعف إشعاعه إن كان له إشعاع البتة.
ورغم ذلك فقد تم الإعداد بدقة لفرضه
على زعامة الحزب الذي أسسه والده هو مجموعة من كبار السياسيين في البلاد انفرط
عقدهم ،
وذلك بقوة الدولة ، ولعب خصمه العنيد اليوم ، دور شاهد الزور في فترة ما ، فأدى به يوسف الشاهد لزعامة حزب لا يستحقها
وليس له قدرة عليها ، انتهت به إلى أمرين اثنين :
1/ تحقيق نجاح مشهود في تحطيم آلة
حزبية كانت أمل القوى الحداثية في البلاد ، في مواجهة ما يتهددها من احتمالات
الردة ، رغم وضوح معالم دستور يبدو قابلا لكل التأويلات.
ويوسف الشاهد العراب المغدور الذي نصب
حافظ قائد السبسي على رأس الحزب رغم إرادة مؤسسيه ومناضليه ، يجني اليوم نتيجة
الدور السيء الذي لعبه ، في عداوة من نصبه على قيادة الحزب ، ويصح عليه المثل
العربي الشهير " جزاء سنمار ".
2/ فشل ذريع لا في قيادة الحزب ، فهل
بقي حزب ، ولكن في كل الاختبارات الانتخابية التي دخلها ، وآخرها الانتخابات
البلدية بدورتيها بالاقتراع العام ، وفي اختيار رؤساء البلديات .
وإذ كان الهدف من تفريغ مقعد ألمانيا
في البرلمان ، وتعيين صاحبه ككاتب دولة من أجل ترشيح ابن أبيه للمقعد ، وهو ما تم
رفضه بالمطلق من مناضلي الحزب في ألمانيا ، بحيث تم سحب الترشح ، وتمت خسارة
المقعد ، الذي كان يؤمل الأنصار من ىبني
وي وي ، أن يذهب لابن أبيه بما يمكنه في أكتوبر المقبل ، من الترشح ونيل رئاسة المجلس النيابي ، ويكون لنا قائدان
للسبسي أحدهما في قصر قرطاج ، والثاني في قصر باردو.
وفي كل الدول الديمقراطية أو حتى التي
تدعي ذلك ، فإن خسارة استشارة انتخابية واحدة ، تؤدي بالتبعية إلى استقالة بدون
رجعة لمن يتزعم الحزب ، إلا عندنا في تونس ، حيث تسجل خسارة بعد خسارة ، والرجل
جاثم على المنصب بقوة الدولة لا لإشعاعه .
**
السؤال الآن هل استفاد رئيس الدولة من
الدرس ، من الهزيمة المدوية ، المتمثلة في تحديه وتحدي ابنه ، ومن يسير في ركابه
وركاب ابنه ، ومنح الثقة لوزير داخلية جديد ، رغم أنف الباجي وابنه ، وإن التحقا
هما والحزب في آخر لحظة بأنصار الشاهد ، في حركة تنقصها الحبكة السياسية وحتى الحد
الأدنى من الكرامة الذاتية.
في مثل هذه الظروف السيئة المنتظر ،
ولكن غير المتوقع ، أن يستعيد الباجي الحزب الذي صنع انتصاره ، بتخليصه من الشوائب
التي حفت به ، وفي مقدمتها ، شكر الابن ، أي تسريحه جزاء له على خدماته ، والتخلص
كذلك من المرتزقة الذين أحاطوا به ، واسترجاع القوى الحقيقية التي صنعت انتصار 2014
، بعد أن تم تهميشها ، فلم تجد لنفسها حظا في أحزاب عدة أنشأتها ولم يحالفها
النجاح.
ولكن هل يكون الباجي من الشجاعة إزاء
نفسه وإزاء ابنه ، وإزاء عائلته ، للإقدام على الخطوات الشجاعة التي قد تكون مؤلمة
شخصيا ، ولكن ضرورية لتوازنات البلاد ولمواصلة حركة صائفة 2013 ، التي تتجاوز
الباجي وحزبه لتشمل كل القوى الحداثية ، والتي كانت وراء المنعرج الايجابي الذي
عرفته تونس.