الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الانتخابات .. على أعتاب الدولة
الديمقراطية (1)
تونس / الصواب /01/10/2014
انتخابات 26 أكتوبر الحالي بعد قرابة
3 أسابيع، وانتخابات 26 نوفمبر ودورتها الثانية هي حقيقة الامتحان الأول للممارسة الديمقراطية
في البلاد وعلى مدى تاريخها.
وانتخابات أواخر مارس 1956 لانتخاب
المجلس القومي التأسيسي ، كما انتخابات 23 أكتوبر 2011 لانتخاب المجلس الوطني
التأسيسي ، لم تحمل لا هذه ولا تلك ذلك الزخم الديمقراطي المطلوب ، ففي سنة 1956 وعلى نزاهة سيرها ، حيث
إن الحزب الحر الدستوري ما زال لم يتمكن من دواليب الدولة ، واعتمد على تضحياته هو
و مناضلوه للإقناع بأنه هو الوصي الأوحد على مستقبل البلاد ، فالظرف لم يكن مواتيا
لإجراء انتخابات تعددية فعلية وقتها ،
وانتخابات أكتوبر 2011 كذلك ( ولم تكن بالمطلق ضرورية) اعتمدت نفس المنطلقات من
حيث الرغبة في مجازاة من يعتبرون أنفسهم قد قدموا أجل التضحيات للبلاد وجاء الوقت
ليقطفوا ثمن ما قدموه.
انتخابات مارس 1956 على نزاهتها أسست
لانتخابات 1959 في ظل دستور تلك السنة ، التي كانت أول خطوة نحو الاستبداد ،
والمأمول أن انتخابات 2014 لن تتبع خطى انتخابات نوفمبر 1959 ، وهي في كل الأحوال لا يمكن أن تذهب بالبلاد
نحو استبداد و ديكتاتورية ، فالمناخ ليس المناخ ، والقائد المنقذ الحبيب بورقيبة ،
متفردا كان ليس فقط في شخصه ، ولكن أيضا
في الزمن الذي جاء فيه ، والظرف الذي أفرزه ، لم يعد ممكنا لا عودته ولا قدوم مثيل
له.
**
لنتحدث أولا اليوم عن ظروف إجراء هذه
الانتخابات ، إنها انتخابات لا بد أن نقول إنها على الأقل تشريعيا ،ستجري في ظل
التصويت على القائمات بالنسبية مع أعلى البقايا ، تماما كما كانت جرت
انتخابات أكتوبر 2011 ،
كان يمكن أن تجري بالتصويت على القائمات بالنسبية وبأعلى المتوسطات ، وكان يمكن أن تجري بالتصويت
الأغلبي على القائمات كما كان الأمر منذ الاستقلال حتى نهاية حكم بورقيبة وذيوله ،
أو بالتصويت الأغلبي مع جرعة تكبر أو تصغر من النسبية ، وداخل ذلك التصويت أو
خارجه ، وكان يمكن أن تجري بالتصويت على الأفراد في دوائر صغيرة وفردية Le scrutin uninominal وبفروعه هو الآخر.
كل واحدة من هذه الطرق الاقتراعية ديمقراطية ، ولكن اختيار أي منها ليس بريئا بل
يقصد الوصول إلى نتائج معينة.
ولعل عياض بن
عاشور والمقربين منه عندما مال لطريقة الاقتراع بالقائمات وبالنسبية وبأعلى
البقايا في صيف 2011 ، كان يدرك ما يرمي إليه ، ولعله نجح في أمر معين وهو أن لا
يكون واحدا من الأحزاب ـ أيا كان ـ في وارد الحصول بمفرده على أغلبية مطلقة (أي 50
في المائة من المقاعد مع مقعد واحد).
وكان مدركا
أيضا ولا شك أن الكثيرين مثله ، أن حركة النهضة
هي التي ستفوز بنسبة من الأصوات أكثر من غيرها.
وأنا شخصيا
ومنذ شهر جوان 2011 كنت مقتنعا بذلك ، وقد نقلت هذه القناعة إلى حمادي الجبالي
داعيا إياه وحزبه إلى عدم الإقدام على
استلام السلطة في هذه الحال ، وكان يرافقه
من النهضة زياد الدولاتلي ، خلال لقاء في بيت السيد مصطفى الفيلالي مع مجموعة من
الأصدقاء من بينهم الطاهر بوسمة المحامي والدكتور حمودة بن سلامة والدكتور منجي
الكعبي.
غير أن ما
فاجأ الكثيرين وكنت واحدا منهم ، هما أمران اثنان:
أولهما :
كثرة عدد القائمات المرشحة وكثرة المرشحين.
وثانيهما :
ما حصل من توزيع كبير في الأصوات لمن كانوا خارج الحزب الديني.
إلى درجة أن
بعض الدارسين يقولون إن ثلث الاصوات ( ما بين 1.2 و1.5 مليون) خرجت من المولد بدون حمص على رأي المثل المصري ولم ينالوا ولو مقعدا
واحدا.
هذا ما أفرز
نتائج تعتبر غريبة ، من حيث إن جانبا وافرا من الناخبين بقي بدون تمثيل.
إذن فإن
التصويت على القائمات بالنسبية وبأعلى البقايا
أفاد النهضة ، ومما زاد في استفادتها أن المصوتين لم يصوتوا ما يدعى
بالتصويت المفيد ، أي غير الموزع والمشتت ، غير أن النهضة كانت تحقق استفادة أكبر
لو اعتمدت طريقة التصويت بالنسبية مع أعلى المتوسطات وفقا لفرضيات قام بها إخصائيون انطلاقا من ذات الأصوات التي حصلت
عليها ، وكانت النهضة تحصل على أغلبية مطلقة أو حتى أكثر من مطلقة لو اعتمدت طريقة
التصويت الأغلبي التي استمر العمل بها منذ الاستقلال وحتى سقوط نظام الرئيس الأسبق بن علي ( دون التعرض لما أدخل
على تلك الطريقة من ذر للرماد في العيون منذ 1994 بجرعة من النسبية تضخ بعد أن
يكون التجمع الدستوري قد فاز بكل المقاعد بالطريقة الأغلبية).
ولقد كان
واضحا أن النهضة ستفوز في انتخابات أكتوبر 2011 ، والذين لم يتوقعوا ذلك كانوا
ما زالوا في سنة أولى ابتدائي في السياسة ، يضاف إليهم كل أولئك الذين أسهموا في تشتيت المشهد
الانتخابي ، بكثرة الترشيحات إلى الحد الذي بلغ فيه عدد القائمات أكثر من 90 في
دائرة أريانة وحدها.
ولكن هل
استفاد المجتمع السياسي من هزيمة 2011
؟
وهو يواجه
انتخابات 2014 ، لا أبدا.
إن ترشح 1327
قائمة لا يدل إلا على عمى سياسي واضح ، ولكن هل ستستفيد منه النهضة وحدها كما حصل
قي أكتوبر 2011 ؟
الاستنتاج
البديهي أن الأزمان تغيرت ، وأن حزبين رئيسيين( من سيكون منهما؟) وروافد أقل أهمية
هي التي ستسيطر على المشهد وأن أحزابا كثيرة من المائة
وتسعين حزبا التي تؤثث الساحة، مصيرها إما
الاندماج في أحزاب كبرى قليلة أو فيما بينها أو أنها ستندثر دون ان تترك أثرا.
لا نريد في
هذه العجالة أن نتحدث عن الانتخابات الرئاسية ، إلا أن نفس المرض الذي أصاب
التشريعية أصاب الرئاسية ، وإلا فما معنى ترشح 70 فردا في هذه الانتخابات بعضهم لم
يستطع أن يجمع تزكيات حتى من أفراد عائلته الصغيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق