Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الاثنين، 4 أغسطس 2014

بكل هدوء: خطر داهم يحوم حول تونس

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
خطر داهم
الصواب / تونس/02/08/2014
بدا لي أن التونسيين لا يشعرون أو لا يشعرون بما فيه الكفاية بالخطر الداهم الذي يتهددهم، سواء في حياة كل منهم، أو في شرفهم ، أو نمط حياتهم.
ليس أمرا هينا أن يقع إعلان إمارة إسلامية في  بنغازي، ولا أيضا أن تكون نفس المجموعة القريبة من داعش  على أبوابنا ، وليس أمرا مستبعدا أن تسعى القوى التي تحاول أن تسيطر على الغرب الليبي للنفاذ إلينا.
مر رمضان بكل لياليه الاحتفالية مع لمسة دينية، وسيمر الصيف بمهرجاناته ، والبلاد غافلة عما يمكن أن ينتظرها ، وهي في خضم من قلة اللامبالاة، وعدم الإحساس بأن أمورا جلى  تهدد بلادنا وتتهددنا في حياتنا وفي نمطنا المجتمعي.
الخطر داهم على أبوبنا، وهذه ليبيا تسقط حجرا بعد حجر دون شعور منا بأننا قد نواجه قبل الانتخابات أو بعدها ـ لا يهم ـ ما يشبه ما حصل في الموصل، وحولها من قطعة من الجنة إلى جحيم ، الموصل أرض الحضارة والابداع ، الموصل التي كست غواني العالم بنسيج الموسلين ، والكلمة  تعود للموصل واسألوا أي قاموس غربي.
الهجمة الهمجية باسم الدين قد لا تترك أرضا دون أن تحاول ، أن تعيدها إلى العصر الحجري ، وإذا استثنينا مصر ذات الحصون العالية ، والتي حمت نفسها يوم 30 جوان 2013 في هبة وطنية غير مسبوقة عالميا، أو الجزائر التي أتمت تلقيح نفسها ضد التطرف خلال سنوات الجمر بين 1990 و2000 واكتسبت بذلك مناعة مثلى، أو المغرب التي تستند إلى تاريخ طويل من مواجهة كل من يحاول أن يخرج بها عن مفهوم الدولة الراعية للجميع ، الدولة الوطنية ذات الجذور التي تذهب عميقا في جنبات التاريخ، إلى حد أن المد العثماني وقف مندحرا أمام أبوابها، إذا استثنينا تلك البلدان الثلاثة فإن أرض العرب الأخرى مهددة فعلا ، بدون استثناء، وما حصل في العراق وسوريا ليس مستحيلا أن يتكرر في كل مكان ، فالحصون منهارة ، وحتى "النهضة" التي لعبت بالنار، في محاولة لكسب ود التطرف ، (لن يكون مصيرها في تونس ، كما الجهات الإسلاموية الأخرى) ليست في مأمن ، ، وهي مهددة كما مكونات المجتمع المدني، واسألوا إسلاميي المناطق  العراقية التي أصيبت في حياة أفرادها ، وفي دينها وفي شرف بناتها ونسائها وفي نمطها المجتمعي.
حيث ساد التطرف الديني ، غاب الوفاء، اسألوا أين بازرقان أول رئيس حكومة للإمام  الخميني، واسألوا أين بني صدر أول رئيس لإيران بعد ثورتها الملتحفة برداء الدين، والذين استظلوا "بالنهضة " من يدريك أنه لم يكن ليحصل لهم ما حصل مع الذين تحالفوا مع الإسلاميين في أي مكان ، ولعل ما أنقذهم من مصير محتوم ، هو ما جرى في مصر صيف 2013.
وتونس التي تهمنا أكثر من أي مكان آخر لا نريد لها أن يقتتل أبناؤها كما الحال في العراق أو في سوريا أو في ليبيا أو في الصومال أو في السودان وغيرها، ولا أن يقتتل أبناؤها لدفع شر مستطير يتمثل في متشددين تابعين للقاعدة أو داعش أو أي إمارة يريدون أن يفرضونها علينا باسم الدين وهم براء من الدين.
ولكن لا بد من أن نتفطن إلى أن الخطر داهم، وأن هناك إرادة خارجية تسعى لتحول بلادنا إلى القون الوسطى وحتى ما قبل القرون الوسطى، لا تعيش عصرها، ولا تسهم في الحضارة الإنسانية، تونس بالذات ليست في مأمن مطمئن، بل هي محل كل الأطماع ، وهي بما حققت من نهضة على مدى 150 سنة أو تزيد تم تتويجها بعهد بورقيبة الزاهر رغم الكثير من الهنات ( لا نعني النهضة الحركة أو الحزب فهي أبعد ما تكون عن النهضة)، مهددة في أمنها وفي نمطها المجتمعي المنفتح على نوافذ بل أبواب التقدم .
لذا وجب التفطن، والتفطن من قبل القوى الحقيقة التي تضع نفسها في خدمة البلاد ، من مجتمع مدني حقيقي ، ومن قوات مسلحة، ومن قوى الأمن.
ولعل الحكام اليوم في بلادنا هم أبعد من أن يشعروا بالخطر، بل لعل جانبا منهم وفي صفوفهم ، من يتمنى لتونس أن تتحول إلى أفغانستان أخرى.
بلادنا مثل مصر والجزائر والمغرب لا بد أن تكون لها أسوار عالية حصينة ، يتكسر على علو جدرانها أي مسعى ليعيد عقارب الساعة لا فقط إلى الوراء بل إلى العدم.
غياب الإرادة السياسية للحكام  وانعدام الرؤية الإستراتيجية لديهم ، وخصوماتهم لا ينبغي أن تحول دون هبة شعبية بقواها المخلصة كلها ، حفاظا على البلاد ، ومقومات شخصيتها التي نحتتها على مدى أجيال، وإرث بورقيبة الذي رسم لها طريق المستقبل، وقد مرت على ولادته الحدث 111 سنة يوما بيوم ، وعلى وفاته 14 سنة، وعلى إزاحته من الحكم 27 سنة.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق