من الذاكرة
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
مجلة الأحوال
الشخصية
تونس/ الصواب
/13/08/2014
ككل أسبوع
وكنت في أول الشباب نتحلق حول الراديو (جهاز راديولا) الفرنسي الذي كان الأكثر
انتشارا، نستمع إلى الخطاب الأسبوعي للرئيس الحبيب بورقيبة ، الذي كانت تخلو
الشوارع في وقت إلقائه، بأسلوبه البسيط، وكلماته المعبرة وسلاسته ونفاذه إلى
القلب، كانت عائلتنا الصغيرة البورقيبية
المهجة جزيرة في بحر واسع من
"الغرانطة" (1) من جدي وأخوالي، وكانت كلمات بورقيبة التي نلتقطها في
شغف واهتمام ، تسري بلطف وتأخذ مكانا من القلب في الصميم، وكان الاستنتاج بين
أفراد عائلتنا الصغيرة ، أن تلك القرارات المعلنة في ذلك اليوم من شهر أوت 1956، اجتماعية
المنحى مسايرة للعصر عادلة في معناها وفي مبناها، معيدة للمجتمع توازنا مفقودا.
للواقع لم
يكن في عائلتنا الواسعة، لا حالات طلاق ، ولا حالات زواج بثانية، ولكننا كنا نرى
على صغر سننا في المجتمع الواسع حالات تدمي القلب، أطفال متروكين لحالهم ، وزوجات
مركونات في بيت الأب أو الأخ كسيرات الجناح.
وبدا ليلتها
أن بورقيبة ، أقدم على تحد كبير ، كما التحدي الذي سمعنا عنه وهو يواجه فرنسا بطم
طميمها، قبل أن نولد.
في الغد
والحال صيفا نزلنا لبعض الشؤون من البيت الصيفي في الجنان، إلى المدينة لقضاء بعض
الشؤون، التقينا توأم الروح المرحوم مصطفى
المصمودي ، والمرحوم شقيقي محمد الفراتي
وأنا ، في متجر والدينا عبدالسلام
المصمودي والبشير الفراتي بنهج العدول ،
وسريعا ما لاحظنا انحيازا كبيرا من جماعة التجار والعدول الذين كانوا يتحلقون في
مقهى النادي التونسي الذي كان يملكه الحاج أحمد الحلواني عم الدكتور محمد علي
الحلواني الأستاذ الجامعي الذي كان ترشح
لمنصب الرئاسة عن اليسار في سنة 2004 ، كنا أقلية نحن الثلاثة بين جمع رأوا في
الخطاب الذي سيشهد العالم أنه كان إنجازا ضخما مما يحسب للعهد الجديد آنذاك وقلة
فضلوا الصمت، كانت الحجة أن بورقيبة حرم ما حلل الله، أي الطلاق وتعدد الزوجات ،
وكنا نحن الثلاثة بسننا الغضة نحاول أن نقف أمام تيار جارف اتخذ الأكثرية فيه
موقفا مناهضا ، فأطلقوا أوصافا ما كنت شخصيا أظن أن تطلق على هؤلاء الزعماء الذين
حرروا البلاد قبل ستة أشهر، وفي نظرنا حرروا المجتمع لا المرأة فقط من أغلال قرون من الجهل والانحطاط.
انطلقنا
ثلاثتنا إلى آخرين أكثر تفهما أو على الأقل أقل عداء، كما كان الوالد وكان سي عبدا
لسلام الذين بدا عليهما تحرر لا يريد أن يصطدم بالسوق، وطفقنا نستطلع آراء الناس
ونناقش انطلاقا من المدينة العتيقة إلى المدينة التي كانت ما تزال تسمى الأوروبية
أيامها، ولاحظنا تغييرا في اللهجة وترحيبا أثلج منا النفوس ، واستشرفنا لدى هؤلاء أن
تلك الخطوة (ما لم نستشرفه ربما لصغر سننا وقلة تجربتنا) هي عبارة عن فتح في المستقبل يتيح
لبلادنا ما لم تقع إتاحته لبلدان عربية وإسلامية أخرى من تشريك كل أفراد المجتمع
بلا ميز في بناء دولة المستقبل، المستقبل المنفتح الذي يرتكز على قدرات كل أبنائه.
والذين لا
يذكرون في ذلك ، فضل بورقيبة العظيم ، وأصحابه الذين كانوا من الشجاعة لاتخاذ مثل
تلك الخطوات الثورية وفي مقدمتهم إلى جانب
بورقيبة ، مهندس مجلة الأحوال الشخصية أحمد المستيري والقضاة والعلماء الأجلاء ، الذين
اعتمدوا كل ما أتى به الإسلام من مبادئ تقدمية ، إنما يغمطون حق من بنى هذه الدولة
وطورها ووضع أسسها.
إن للمرء أن يشيد بالذين قدموا من عصارة فكرهم ، ومن
مواهبهم ما جعل بلادنا على النمط المجتمعي الذي تعيش في ظله اليوم و الذي لن تحيد
عنه كما أراد البعض ، وأن يشيد بقوة لا بكلمة عرضية مواربة ، وهم الذين حولوا
النظريات إلى واقع ، ولكن له أن يشيد أيضا بكل الذين نظـــــــروا ( بتشديد الظاء)لتلك
القيم ، بدون نسيان، ابتداء من قاسم
أمين(2) والشيخ محمد عبده وخاصة مواطننا الطاهر الحداد.
(1)
المنتسبون للحزب الدستوري القديم والنسبة إلى
نهج غرنوطة الذي
عقدوا فيه مؤتمرهم.
(2)
قاسم أمين(1863/1908) هو أول مفكر عربي نادى
بتحرير المرأة ، وكان درس القانون في فرنسا
في أواخر القرن التاسع عشر، وكان من رواد نازلي فاضل وهي أميرة مصرية تزوجت
في وقت لاحق من أحد وجهاء تونس.
تحدث قاسم أمين عن الحجاب (موسوعة
ويكيبيديا) وقال أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة للسفور ليست خروجا عن الدين.
وتحدث أيضا عن تعدد الزوجات والطلاق، وقال أن العزلة بين المرأة والرجل لم تكن أساسا
من أسس الشريعة.