بكل هدوء
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
السيزيام ..
نعم .. لا ..
تونس /
الصواب / 11/07/2019
يتجه وزير
التربية نحو إعادة العمل بمناظرة ما اصطلح عليه بالسيزيام وهو مناظرة للمرور من الابتدائي للثانوي ،
أوجدتها فرنسا منذ زمن طويل كعقبة أمام الانتقال للتعليم الثانوي أيام كانت الحاجة
إلى العمالة اليدوية هي القاعدة ، وهو أمر زال بتحول اجتماعي باتت فيه الحاجة ماسة
إلى مستويات أعلى ، باعتبار أن الحاجة أصبحت ماسة أكثر للياقات البيضاء ، وباعتبار
أن مكننة القطاعات المختلفة قللت من الحاجة للعمل اليدوي الشاق لفائدة العمل
المكتبي أو العمل الدي يتطلب معارف نظرية
، ، ومن بعيد الحرب العالمية الثانية أنهت فرنسا العمل بمناظرة السيزيام ، وأصبح
المرور للثانوي دون أي عقبة ، استجابة إلى
حاجة سوق العمل ، لكفاءات أكثر مستوى تعليمي وتقلص الطلب على العمل اليدوي.
ورغم أننا
نتبع فرنسا في كل شيء فلقد استمر العمل بمناظرة السيزيام إلى حدود الثمانينيات ، فكانت بمثابة المقصلة على اعتبارا إلى أن نسب النجاح المنخفضة التي لم تكن تتجاوز 20 في
المائة من المترشحين بينما تلفظ المدرسة مبكرا عشرات الألوف إلى الشارع في سن
مبكرة ، بينما يذهب البقية للأعمال اليدوية إن وجدوا لها سبيلا ، بعد أن قلصت سوق الشغل فرص العمل أمام التزايد
السكاني السريع ، قبل أن يعطي التنظيم
العائلي نتائجه الأولى .
في أواخر السبعينيات ، وفي شهر جوان 1980 وكان محمد
مزالي قد تولى الوزارة الأولى حديثا ، تأخر إعلان النتائج للسيزيام أكثر من أسبوع
، أمام رغبة الوزير الأول في رفع مستويات النجاح ، ومقاومة جهات عديدة في مقدمتها
وزارة المالية آنذاك ، التي كانت ترى في رفع نسبة النجاح في السيزيام كلفة لا قبل لميزانية الدولة بتحملها ، من حيث زيادة عدد الاقسام ، وانتداب
مئات من الاساتذة الجدد ، وما يتبع ذلك من كلف ثقيلة إضافية لم تكن مبرمجة، وكان
لا بد من تحكيم رئيس الدولة نفسه الذي كان يقضي فترة في التداوي بالخارج ، وبمجرد
عودته أعطى الرئيس بورقيبة الضوء الأخضر ، على اعتبار أن من شأن ذلك أن يزيد من
شعبيته ، فارتفعت نسبة النجاح في السيزيام إلى حوالي 40 في المائة ، وهي أول مرة
تسجل هذه المنسبة ، بعد أن كانت تحوم
حول ما بين 20 و25 في المائة.
غير أن طارئا
جديدا حصل تمثل في إنشاء المدرسة الأساسية
، وهو الخيار المتبع دوليا ، ويستهدف هذا الخيار أمران اثنان :
-
أولهما شد التلميذ إلى سن السادسة عشرة ، ست
سنوات في اللابتدائي وثلاث سنوات في الاعدادي ، بحيث لا يصرف الطفل من المؤسسة
التعليمية قبل أن يصل إلى سن تؤهله للحصول على مكتسبات معرفية ، كفيلة بجعله يواجه
الحياة بالحد الأدنى من السلاح المعرفي.
-
الحد من العودة للأمية التي كانت متفشية ،
بين خريجي المدرسة الابتدائية سواء في
السنة السادسة أو ما قبلها والمغادرين للمدرسة بدون زاد معرفي كفيل للوقاية من
العودة للامية .
وقد صاحب هذا الاختيار المساير لما هو معمول به في كل البلدان المتقدمة
اعتماد الارتقاء الآلي في هذه المرحلة ، واعتماد تدريس العلوم باللغة العربية ، ما
رفع مستوى الزاد المعرفي للعلوم ، كما حدث عندما تم تعويض الفرنسية بالعربية في
الابتدائي قبل ذلك بسنوات وفق ما دلت عليه دراسات وطنية وخارجية.
ومن هنا يبدو لنا أن ما يتجه له وزير التربية للعودة لتعميم السيزيام هو
خطوة إلى الوراء ، في النظام التعليمي التونسي ، ما يشكل عقبة كأداء أمام التلاميذ
، وما يتناقض مع إرادة البلوغ لهدف الاحتفاظ بالطفل بين جدران المدرسة حتى سن
السادسة عشرة ، وتمكينه من الحد الأدنى من المكتسبات المعرفية الكفيلة بجعله بواجه
الحياة العملية من موقع الإقتدار.
أما المستوى الذي يشكل انخفاضه هاجسا
مشروعا لدى الوزير ، فإنه يمكن للمرء أن يلاحظ عالميا هبوطا شديد في مستويات
المكتسبات اللغوية ، وارتفاعا ملحوظا في مستويات المكتسبات العلمية ، وفي تحقيق يقوم
على العينات نشرته مجلة لونوفال أوبسرفاتور الفرنسية في سنوات الألفين بالمقارنة بين المكتسبات اللغوية للتلميذ في
الخمسينيات التسعينيات ، تبين عوز فادح يزداد حدة من عشرية إلى أخرى ، بحيث يمثل
ذلك معضلة حقيقية ، لا بد من محاولة إصلاحها ليس بالعودة لعقبة السيزيام في تناقض
كامل مع فلسفة المدرسة الأساسية والغرض من
اعتمادها ، بل البحث المعمق في رسكلة رجال التعليم ونسائه ورفع مستواهم ، والدفع نح إعادة
الاهتمام بإعادة الاعتبار للمطالعة ،في خضم سيطرة ظاهرة السمعي البصري والتليفون الذكي
والكومبيوتر ، وهو ما قد يحتاج لعمل طويل
النفس يستغرق جيلا بأكمله.
ونقول بصراحة لا للسيد الوزير ، للعودة لما أكل عليه الدهر وشرب أي
للسيزيام ونتائجه النفسية السيئة في هذه السن الغضة.