عربيات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
تونس في عين الإعصار
تونس / الصواب / 08/04/2019
يمينا ويسارا أي من جهة ليبيا ومن جهة
الجزائر ضبابية كبيرة ناتجة عن التطورات الحاصلة في البلدين الجارين ، والأخطار
التي يعتقد كثير من التونسيين أنها محدقة بالبلاد.
فالجزائر تبحث عن طريقها بعد (
است)قالة عبد العزيز بوتفليقة التي فرضتها
عليه 7 (جمعات ) من التحركات الشعبية الواسعة ، والذين يأسفون عندنا لانسحاب بوتفليقة ، لم يعرفوا حقائق
التاريخ المعاصر ، فبعد المراسلات المطمئنة من رئيسي الحكومتين المؤقتتين
الجزائريتين ، فرحات عباس وبن خدة بن يوسف للسلطة التونسية ، بإيجاد حل لقضية
الصحراء التونسية في مناطقنا الشرقية المثبتتين باتفاقيات 1929 الشاملة لعشرين ألف
كيلومتر مربع وما قبلها من اتفاقيات بين السلطنة العثمانية وفرنسا ، وبعد وعود أحمد بن بلة الرئيس الجزائري في
1963 بمناسبة القمة التأسيسية لمنظمة الوحدة الإفريقية بأديس أبابا ، بمحضر جمال
عبد الناصر وعدد من القياديين التونسيين والجزائريين ومن بينهم أصغر وزير خارجية
في العالم الخميستي الذي سقط شهيدا ، في مناسبة لاحقة ، وبعد الانقلاب العسكري
بومدين/بوتفليقة تم التراجع عن كل تلك
التوافقات وتم في سنة 1970 فرض " حل مشبوه " في غياب بورقيبة الذي كان
يرقد في مستشفى باريسي ، واضطر القائمون على البلاد في فترة اضطراب بعد إقالة أحمد
بن صالح وإنهاء تجربة التعاضد ، إلى التوقيع
على ما جاء به بوتفليقة وزير الخارجية
الجزائري شخصيا بوتفليقة ، ويفرضه
على تونس في تجاوز كامل لاتفاقيات دولية
والقانون الدولي.
لذلك فإن سقوط حكم بوتفليقة ولو بعد
قرابة 50 سنة على المظلمة التاريخية التي يبدو أن الكثير قد نسوها ، واعتبروا أن
الزمن كفيل بأن يمسح من الذاكرة ، هذه الحادثة التي ستبقى في ذهن التونسيين على
مدى التاريخ ، ولقد حاول بومدين وبوتفليقة ابتلاع تونس كاملة ، عندما جاءا للكاف
في أفريل 197. أي بعد ثلاث سنوات ، ليعرضا على تونس وحدة غير متكافئة بين الجزائر
وتونس ، في وقت كانت فيه الجزائر تبلغ مساحتها 15 مرات مساحة تونس ، وعدد سكانها 6 إلى 7 مرات،
تلك حقائق تونسية تبقى غصة في الحلق . وهو
ما رفضــــه بورقيبة ونويرة .
ولكن لنعد إلى الواقع اليوم ، الذي
قام فيه الجزائريون بالثورة على بوتفليقة والطغمة المصاحبة له ، في عملية نهب
الجزائر على مدى 20 سنة ، والسؤال اليوم هو إلى أين تسير الجزائر ، وما سيكون لأي
تغيير يحصل فيها من تأثيرعلى تونس ، وهل
سيقوم فيها نظام ديمقراطي ، أم إن الجيش الجزائري وقيادته المتورطة مع بوتفليقة ، منذ أكثر من 20 سنة هي التي ستــستولي على السلطة ، و لكن إلى أين ؟
هل ستقوم ديمقراطية حقيقية في البلاد
كما تمنى الجزائريون طيلة حياتهم ، قبل أن يحرمهم من ذلك أحمد بن بلة الذي التف
على الشرعية عام 1962 صحبة بومدين وبوتفليقة وقد انقلبا عليه بدورهم سنة 1965.
نقط استفهام كثيرة ، و لن تتضح
المعالم إلا بعد تسعين يوما ،بعد إجراء الانتخابات الرئاسية إن اتضحت فعلا في
الأثناء.
**
في ربيع سنة 1988 تمت دعوتي من قبل
العقيد معمر القذافي بقصد إجراء مقابلة صحفية معه ، قبعت في فندق البحر المتوسط
أحد أفخم الفنادق في العاصمة الليبية في انتظار موعد لم يحدد مسبقا ، وخصص لي
مرافقان اثنان من " الاعلام" الليبي سريعا ما شعرت بأنهما من المخابرات
، لا تربطهما بالصحافة أية روابط ، وذلك منذ اللحظة الأولى ومن مرافقتي للمطار إلى
الفندق ، ولقد تسنى لي أن أشاهد أشلاء
دبابات وشاحنات عسكرية على جانبي طريق المطار، مما كان قد أصيب في حرب القذافي
المجنونة مع تشاد ، التي كان قادها الكومندان حفتر ، وتلقت فيها ليبيا على أيدي
الفرنسيين هزيمة كبيرة ، أسر فيها خليفة حفتر قبل أن يتم تسريحه في إطار تسوية
عامة.
كان ذلك أول عهد لي مع اسم حفتر.
بقيت في الانتظار في الفندق أسبوعا ،
وكانت تقع مصاحبتي يوميا إلى مواقـــع أثرية ، أو مجمعات تجارية ، وكانت محاولة
إغرائي متواصلة ، بما خف حمله وغلا ثمنه ، وهي إغراءات كنت منغلقا أمامها دوما كما ينبغي لصحفي يحافظ على أمانته الصحفية ،
سواء بالنسبة لليبييين وقتها أو بعد ذلك ،
أو غيرهم من العراقيين أو الخليجيين أو حتى زمن بن علي في تونس.
المهم كنت أقضي الليل يقظا أنتظر كما
قيل لي أن أحمل إلى الخيمة المشهورة لإجراء الحديث كما طلب مني ، ولكن المقابلة
الصحفية تأخرت وأنا كنت في عجلة من أمري بسبب مسؤولياتي أيامها، فعدت إلى تونس
خالي الوفاض.
إذن هذا الحفتر ، لم أعد أسمع عنه
شيئا حتى قامت الثورة في ليبيا في أعقاب ثورة تونس وثورة مصر في فيفري 2011.
جرت انتخابات نزيهة في ليبيا في سنة
2014 ، فاز فيها الشق المدني بتنوعاته ، واكتسب الشرعية ، غير أن فجر ليبيا
(الإخواني ) لم يرض بنتيجة الصندوق ، فعمد باعتماد ميليشيات جاءت من كل الآفاق ،
وبتأييد من الولايات المتحدة التي كانت تراهن على الاسلاميين في تونس ومصر وليبيا
، زمن أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون ، انتصرت للأقلية فاستولت في حركة انقلابيـــــة
بالقوة على السلطة ، وهربت أغلبية البرلمان إلى طبرق واتخذتها عاصمة مؤقتتة لها ،
وتولى اللواء خليفة حفتر القيادة العامة للجيش الوطني ، وكلف بتطهير ليبيا وإرجاع
الشرعية.
ارتقى اللواء حفتر إلى رتبة فريق
بقرار من البرلمان ، ثم إلى رتبة مشير ، وهو عسكري مشهود له بالكفاءة العالية ،
تولى دراسته العسكرية العالية في الولايات
المتحدة كضابط أركان حرب ، وقد تولى
" تنظيف "المنطقة الشرقية من الميليشيات ، واستولى على مناطق إنتاج البترول ، ثم تفرغ
للجنوب الليبي فتقدم خطوة خطوة وسيطرت عليه الشرعية التي كان حفتر أداتها ، ولم
يبق أمامه إلا شريط ساحلي ينطلق من سرت ،إلى مصراتة إلى طرابلس إلى الزنتان
وصبراتة ، وارتأى الماريشال حفتر أنه بإمكانه أن يسيطر على طرابلس في حركة
التفافية فيما يسمى عسكريا " الاحتضان " les tenailles وهي نظرية عسكرية كان أول من استعملها حنبعل في
حروبه ضد روما ، وتدرس اليوم في كل الكليات العسكرية ، واستعملها التحالف الدولي
سنة 1991 عند تحرير الكويت.
ذهب حفتر إلى
طرابلس بقصد " تحريرها" عبر خط طويل يتجاوز الألف كيلومتر ، بما يتطلب
من جهد لوجيستي للإسناد من الهندسة العسكرية والتموين ، وتسيير الأسلحة والقوات
المكننة والثقيلة والمشاة والتموين البشري والمحروقات ، تماما كما فعل حنبعل قبل أكثر من ألفي سنة
عندما هاجم روما عبر شمال إفريقيا وإسبانيا وجبال البيريني ثم جنوب فرنسا وجبال
الألب نزولا إلى روما ، والقوة في هذه الطريقة أنها التفافية ، ونقطة الضعف أن
المسافات بين نقطة الانطلاق وبين الهدف طويلة ، وتتطلب نفسا طويلا وقدرة كبيرة على
المناورة.
في سرعة
البرق استولى اللواء المسماري على غريان التي تبعد 80 كيلومترا عن قلب طرابلس ،
ومنها انطلق في ثلاثة محاور إلى ضواحي طرابلس ، فلم يجد مقاومة تذكر ، وكان لا بد
للجنرال المسماري من أن يستعيد جمع صفوفه
وانتظار المدد ، قبل أن يدخل في معركة واسعة وممتدة على 7 محاور في المناطق الآهلة
، بقوة جيش قوامه 80 ألف عسكري ، الفرق بينهم وبين المدتفعين عن الخط الساحلي أنهم
عسكريون احترافيون ، بعكس الميليشيات المتأسلمة ، التي يقودها في الغالب انتهازيون
، ولكن بصفوف من المتأدلجين الذين لا فرق عندهم بين الحياة أو الموت ، والموت يعني
الجنة ، كما وقع إيهامهم.
في الهرم على
السلطتين :
1/عقيلة صالح
رئيس البرلمان المنتخب والشرعي منذ سنة 2014 بأغلبيته الكبيرة ، القابع في طبرق
والبيضاء في الشرق الليبي ، الذي ينبثق عنه "الجيش الوطني الليبي "
بقيادة الماريشال حفتر المعين من البرلمان الشرعي.
2/ المجلس
الرئاسي ، السلطة التي نصبتها الأمم المتحدة والمعترف بها دوليا بقرار من الولايات
المتحدة زمن أوباما حليف الإسلاميين بقيادة السراج ، وهو الذي قفز من مركب
البرلمان الشرعي الليبي للمنصب ، والذي لا يحكم في شيء ، بل هو خاضع للميليشيات
المتناحرة بين سرت وصبراتة وطرابلس ومصراتة.
والزنتان.
تبدو الحرب
سجالا اليوم، وطرابلس ليست لا الجفرة ولا غريان ولا سبها ، الغنية بالبترول ، ولعل
المفاجأة هو ما أعلن قبل يومين من أنه تم إجلاء 300 من الجنود الأمريكيين في عجلة
من أمرهم عن طريق فرقاطة أمريكية من جنزور
غير بعيد عن طرابلس ، ما يبرز خضوع
المنطقة الغربية للإرادة الأمريكية بينما كانت تهم السراج وغيره بخضوع المنطقة
الشرقية للارادة الغربية ، فيما نعرف أن تونس والجزائر والمغرب ، . كانت تمانع في
تواجد الأفريكوم الامبريالية على أرضها وكذلك مصر ، وهي قوة أمريكية لم تسمح لها بالوجود إلا
بلدان إفريقية جنوب الصحراء.
كما لا ينبغي للمرء أن ينسى أن هذه الميليشيات ،
المنتشرة في طرابلس ، استهدفت تونس ، وما العهد من قدم منذ حوالي عام في بنقردان
المدينة البطلة، كما إن عناصر الارهاب تسربت منها، مباشرة أو عبر الحدود
الجزائرية.
**
لم تقدم
السلطة الشرعية في طبرق بالثنائي عقيلة صالح وخليفة حفتر ، على عملية طرابلس إلا
بضوء أخضر حسب كل المؤشرات ، لا يعلن عن
نفسه ، من قبل دول حليفة عربية ، ولكن أيضا دول عظمى ، ولولا ذلك لكان الضغط
الدولي حاسما ، لا رخوا ، في اتجاه إيقاف المعركة ، هناك انتظار لأحد أمرين :
إما استكمال
السيطرة على طرابلس وهو أمر صعب وقد يتطلب
وقتا ، وليس كما هو معلن من البعض في يوم أو يومين ، أو تحسين ظروف التفاوض
بالنسبة للسلطة الشرعية القائمة في شرق ليبيا خلال المؤتمر الجامع بعد أيام ،
والمشترط فيه مغادرة الميليشيات نهائيا من العاصمة الليبية وما يحيط بها من مدن هي
اليوم في يد جهات ، بات المجتمع الدولي يسعى لإجلائها ضمانا لـــسلامة الدول
المجاورة ، وأيضا حتى الدول الأوروبية التي طالها إرهاب القاعدة والدواعش وفجر
ليبيا وغيرها، كما طالتها عملية هجرة غير شرعية مستمرة فضلا عن الجريمة المنظمة
والاتجار بالبشر ، وهز الاستقرار في الدول الافريقية جنوب الصحراء.
من هنا يبدو
مفهوما ما يبدو من معاداة كل من قطر وتركيا المعلنة ضد هذه العملية، وما يصحب ذلك
مهاجمة لا فقط لسلطة المنطقة الشرقية الليبية ولكن لعدة دول تعتقد الدوحة وأنقرة
أنها منتصرة لحفتر.
**
من هنا يبدو
أن تونس تجد نفسها في عين الإعصار سواء غربا أو شرقا ، سواء من الجزائر، أو من
ليبيا التي يمكن أن تستمر مناطقها المتاخمة لتونس على وضعها الخاضع للمليشيات
المهددة للبلاد ، أو تسقط بين براثن حفتر ، الذي لا ينسى أن تونس كانت عموما مضادة
له تحت تأثير حكم السبسي الخاضع في هذا المجال للنهضة ، ولم يكن لتونس موقف محايد
إلا في فترة حكومة مهدي جمعة سنة 2014 تحت تأثير أفضل وزير خارجية بعد الثورة
المنجي حمدي ، الديبلوماسي المتمرس.