يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
سنة سياسية
جديدة
هل تحمل
متغيرات عميقة ؟
تونس /
الصواب/07/10/2018
بدأت السنة
السياسية الجديدة في أجواء مصابة بتطورات " موبوءة" لم تكن في الحسبان ،
فمنذ أشهر بدا أن العلاقات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أي رأسا سلطة تنفيذية برأسين ، قد اشتعل لهيبها ، فقد
تمنى الرئيس الباجي قائد السبسي أن يستبدل رئيس الحكومة يوسف الشاهد، برئيس حكومة
على ذوق ابنه حافظ قائد السبسي ، الذي استعصى عليه الشاهد وعلى مطالبه ، مثلما كان
الأمر قبل عامين ونيف عندما ساءت العلاقة بين رئيس الحكومة الحبيب الصيد ، وابن
رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي ، غير أن الشاهد الذي تعلم من التجربة ،
و استمرأ المنصب ، واستعد مبكرا بعد تنصيبه لكل طارئ ، وبعد الدور الذي لعبه في وضع ابن
الرئيس على رأس الحزب الأول في البلاد على
شاكلة أحزاب البلدان غير الديمقراطية ، وفي
إطار تبادل الهدايا دفع الشاهد حافظ قائد
السبسي إلى قيادة حزب تم تغييب كبار مؤسسيه ، فنال كجزاء رئاسة حكومة قيل وقتها
إنها ليست على مقاسه وأنه ليس من حجمها ، وسارت معه حركة النهضة في غير حماس إرضاء
للوالد وعملا بالتوافق ، وما يتطلبه من تنازلات المفروض أن تكون متبادلة ، وبدا
اليوم على لسان قيادات نهضوية ، أن مسايرة
عزل الحبيب الصيد كانت خطأ فادحا ، ما يفهم منه أن طلبات ابن الرئيس ليس لها نهاية
، وأنها ليست دائما مقبولة.
تمنيات رئيس
الجمهورية بصرف رئيس حكومته الذي لم يعد من ذوق ابنه ، اصطدمت بصخرتين ، الأولى هي
صخرة الشاهد نفسه الذي يبدو أنه استعد مبكرا للاحتمال ، وهو أعرف بتقلبات ابن
الرئيس ، ومطالبه التي ليست لها نهاية
والتي اعتبرها شاذة وغريبة farfelus، أما الثانية فجاءت من
الحليف التوافقي ، ظاهرها الحفاظ على استقرار الحكم ، وباطنها الدفع لانفجار نداء
تونس من الداخل ، أو ما بقي من نداء تونس من الداخل ، بعدما
بدا من أن الشاهد ليس تلك اللقمة السائغة للبلع ، وبعد ما حملت كل الجهات سرا أو
علانية أسباب الهزيمة في الانتخابات البلدية ومسؤوليتها ، لحافظ قائد السبسي لولا طوق النجاة الذي وفره
له أبوه الرئيس.
في هذه
الاجواء المتعكرة تدخل سنة سياسية جديدة ، تتسم بعلاقة منعدمة أو تكاد بين رئيس
البلاد ورئيس حكومتها ، وتتسم بنهاية وفاق بين النهضة والنداء ، وفقا لاستنتاج
رئيس الجمهورية ، وهو في الحقيقة وفاق متواصل ولكن قائم على عكازين اثنين ، أحدهما
الشاهد الذي اعتمد على كتلة برلمانية تعتبر الثانية حاليا بعد تدحرج كتلة النداء
إلى مرتبة ثالثة ، رئيس الجمهورية يعتبر أن رفض الغنوشي صرف الشاهد ، والانتصار له
يعلن عن الخلاف الذي أعده حافظ ، وهو قطع لخيط التوافق ، والغنوشي فوق أنه لا يرغب
في صرف الشاهد والإبقاء على الاستقرار
الحكومي ، يخشى من أن يأتي الرئيس برئيس
حكومة ليس من ذوقه ، ما دام السبسي لا يريد أن يفصح عن مرشحه مكان الشاهد ، ولعل
أخشى ما تخشاه النهضة تعيين رجل مثل وزير الداخلية السابق لطفي ابراهم ، الذي يعتقد أنه لا يخفي مناهضته للنهضة
وتعامله مع أعدائها في السعودية والإمارات ، والذي تردد كثيرا أن تنحيته من موقعه
من طرف الشاهد ، إن لم يكن بطلب صريح من قيادات النهضة ، فلعله استجابة خفية لها
في غمزة من الشاهد للإبقاء عليه في موقعه
رغم إرادة الرئيس قائد السبسي ، ومما يزيد في هذا الاعتقاد التسريبات الأخيرة ،
الصادرة عن هيئة الدفاع بشأن اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي ، وهي تسريبات أقل
ما يقال فيها أن ردود النهضة عليها لم تكن
لا حاسمة ولا مقنعة وأنها حشرتها في ركن ضيق ، وهي إن كانت صدرت عن جهات قريبة من
الجبهة الشعبية ، فإنها وفي هذا الوقت بالذات لم تشهد دفاعا من الشريك الآخر
للنهضة في التوافق ، حيث تم تركها أي النهضة في الواجهة وحدها ، فهل جاء الوقت
للعمل بمقولة لنائبة في مجلس النواب " تعري نعري " ما يعني أن لكل طرف
له ما يكشفه إزاء الطرف الآخر ، وأن الستر هو سيد الموقف ، وبعد التسريبات ، هل
ستتحرك العدالة للتأكيد أو النفي الجدي ، وهو ما يمكن أن يذهب إلى بعيد ، أو ينهي
بصورة نهائية ما يتردد ، إذا أخذ القضاء بصورة جدية الأمر تقطع مع ما كان سائدا
ربما لقلة الأدلة ، وربما لعدم ضم المعطيات إلى بعضها البعض.
والبعض من
اليائسين من القضاء ، يقول إنه إن لم تحسم
العدالة ، فإن قناعة شعبية كافية للإدانة
أو التبرئة حسب المواقع ، وإن عدالة السماء
تبقى هي الملجأ .
رسالة لطفي
زيتون وهو القيادي في النهضة إلى قيادة
النهضة ، ومواقف منار إسكندراني تحمل صيحة فزع ، إذ مفادها أنه لا بديل عن التوافق
مع رئيس الجمهورية ، خصوصا مع ما يتردد بصورة متناقضة ، من أن الإخوان المسلمين
بمن فيهم النهضة ، بصدد خسران مواقعهم على الساحة الدولية ، مع ما يمكن أن يستتبع
ذلك من تداعيات قطرية ، فماذا لو رفع الغطاء المتعاطف خارجيا عن النهضة أو اعتبر
دورها منتهيا؟
في هذه الأجواء
تبدو السماء ملبدة بالغيوم ، و" الشيخ " الغنوشي يبدو أنه لا غنى له عن السبسي على الأقل في هذه المرحلة ، و" الشيخ السبسي " يبدو أنه لا غني
له عن رئيس النهضة ، فيما تواصل النهضة في هدوء سياسة التمكين ، في انتظار أن تسفر
الانتخابات المقبلة بعد حوالي عام عن نتائجها المتوقع أن تكون لفائدتها ، بسبب تشتت ما يسمى بأحزاب "الإستنارة"
، المصابة بداء الانقسام والتشرذم داخليا
وخارجيا ، ماذا سيكون موقع يوسف الشاهد في كل هذا ، وهل هو قادر على مسك خيط رابط
وناظم بين 51 نائبا ينتمون إليه ، مرشح أن يزيد عددهم في كتلة تنتسب له رغم كل
محاولات النفي، وتجد جذورها يوما بعد يوم
على حساب كتلة نداء تونس ، الذي يغادره كل
يوم فوج جديد ، كما لو كانوا يهربون من
مركب غارق . هل يمكن أن يضحي السبسي بابنه
، الشرط الأساسي المطروح لاستعادة حزبه وحدة صفوفه وقدرته على الفعل ؟
التصور الأول والسائد أن الشاهد ليس من وزن لا
السبسي ولا الغنوشي ، ولا يملك دهاء لا هذا ولا ذاك ، وهو عبارة عن ظاهرة إعلامية
ستعود إلى حجمها الطبيعي متى تفطن رئيس
الجمهورية ، وعاد إلى حقيقة الأوضاع عبر
التغييرات في القمة التي سيدخلها على الحزب الذي أسسه ، بمحاولة استعادة شخصياته
المرموقة المؤسسة les ténors ، ولكن هل يبقى ذلك في مجال التمني ، وهل تعود
النهضة لاستلام الحكم مجددا بعد الانتخابات
المقبلة ، ومع من ، وهل ستتواصل سياسات التمكين التي مارستها زمن الترويكا وبعدها. ؟
لا شيء بات
يمنع ذلك.