Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 30 مارس 2017

سانحة : الدولة وتحللت وذهبت شذر مذر؟

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
إلى الهاوية .. بالسرعة القصوى
تونس / الصواب /27/03/2017
تذكرت حادثة حصلت وأنا في سن غضة.. لم أتجاوز من العمر 5 سنوات ، تمثلت في أن " قابلة عربي " بكرسيها دعيت لتوليد امرأة صغيرة السن ، ولكن الولادة استعصت عليها ، فنصحت باستدعاء طبيب ، لم يأت الطبيب إلا بعد ساعة بالنظر لطول المسافة التي قطعها الزوج على رجليه ، وما إن دخل الطبيب على الوالدة التي كفت عن الصياح ، حتى أعلن لأهلها أنه أمام جثة هامدة ، فاعتبرا لأهل أنه هو الذي قتلها ، فهات يا ضرب وتركوه أقرب للجثة التي نادوه بعد فوات الأوان  لإنقاذها ، والتي أصيبت بنزيف ، كما إنهم تسابقوا لتحطيم سيارته التراكسيون سيتروان  الجديدة ، انتقاما منه " لقتل "  قريبتهم ، وطبعا لم يمر الأمر هكذا بل كانت ملاحقة قضائية ، وأحكام قاسية بالسجن ، طبعا سجن المعتدين ، لا سجن الطبيب ، الذي لا بد من القول إن القاعدة العامة بالنسبة إليه ، أن عليه المحاولة الاجتهادية ، لا النتيجة ( l’obligation de moyens  et non de résultats).
فالطبيب كالمحامي والقاضي يتمتع بسلطة تقديرية لا يشاركه فيها سوى ضميره ، وهو في كل الأحوال أي الطبيب  خاصة مطالب بسرعة الحسم ، لا وقت له غالبا  مثل القاضي أو المحامي أو أصناف أخرى  ، للتفكير في البدائل المتوفرة أمامه وهي بدائل لا وقت لديه لإجراء التوازن بينها ، فما بين يديه هو حـــياة أو موت ، و هو قد يكون على خطإ أو صحة تقدير في هذه الحالة أو تلك ، والقاضي أيضا يتمتع بسلطة تقديرية ، لا يحاسب على نتائجها ، حتى وإن حكم بالإعدام ثم ظهر لاحقا أن ذلك الحكم كان خاطئا ، بعد أن يكون "فات الفوت" واتضحت براءة المتهم ، بظهور قرائن قادت إلى المجرم الحقيقي.
**
وفي حالة معينة من إصدار حكم بالسجن على طبيب ، بتهمة الخطأ  الطبي ، وفي تلك الحالات في القيروان وغير القيروان من مهاجمة مستشفى ومعداته ، لوفاة رضع أو أطفال ، وفي غير تلك الحالات ، وفي حالات أخرى ، من قطع الطريق على القطارات أو الحافلات أو وسائل النقل الخاصة ، كما استعمال المؤسسات والعاملين فيها كرهائن لتحقيق مطالب مهما كانت مشروعة ، فإن الخطأ يكمن في طريقة الدفاع عنها ، لأنها طريقة تدمر الاقتصاد الوطني خطوة بخطوة ، وتقلل من فرص تحقيق نسبة نمو ولو صغيرة ، وتعتمد مقولة " علي وعلى أعدائي يا رب " ، وتنهي إلى هروب المستثمرين سواء كانوا وطنيين أو أجانب ، وإثنائهم  عن خلق مؤسسات جديدة أو توسيع مؤسسات قائمة ، وبالتالي تؤدي إلى ردع زيادة الثروة ، وطبعا ليس " بخلق فرص عمل " بقرارات إدارية  وحوافز اصطناعية أن يخلق ثروة ،  في بلد تردت أحواله وتخلخلت كل موازينه ، وانصرف فيه الناس عن واجب العمل .
وراء ذلك ليس فقط غياب الدولة ، بل تحللها فكريا وإراديا ، بحيث غاب العقاب عن الذين يحطمون مقدرات البلاد ، وقاطعي الطرق ، والعاملين على تعطيل المؤسسات ، ومنع العاملين من أداء عملهم ، إما إيجابيا بعدم الدفاع عن مؤسساتهم مصدر رزقهم ، أو استمراء حالة التعطل ما دامت مرتباتهم مضمونة.
إن الحالة متدهورة لا اقتصاديا ، فذلك مقدور عليه إن صحت العزيمة ، دليل ذلك أزمات 1961 و1969 و1986 ، ولكن في العقليات ، وحكومة الشاهد التي أظهرت عجزا لا يوصف بعد أن دعا  رئيس الحكومة الموصوف بأنه جديد ولكنه ليس في الحقيقة جديدا لأنه مرت عليه أشهر عديدة وهو في منصبه  ،  دعا التونسيين " للوقوف " لبلادهم في خطاب التصديق أمام مجلس النواب ، كما دعا للتصدي لخارقي القوانين ، وليس أكثر خرقا ممن يعتدون على المستشفيات بتعنيف الأطباء ومساعديهم ، وكسر الأجهزة الثمينة التي توفرت من مال الشعب ، أو منع حرية التنقل وحرية العمل ، التي هي من مقومات الحياة الاجتماعية ، كحق الاضراب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق