بكل هدوء
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
حزب الدستور
.. هل يحيي العظام وهي رميم ؟
تونس /
الصواب /21/01/2019
منذ 14 جانفي
2011 ، والحزب الدستوري ،، سليل التنظيم السياسي العائد تأسيسه لسنة 1920 أي قبل
100 سنة تقريبا ، والذي أخرجه محمود الماطري والحبيب بورقيبة من قوقعته التي وصفت بالفارغة في سنة 1934،
وهو يحاول أن يسترجع ذاته ، ويستعيد
مكانته أو على الأقل بعضا من مكانته ليكون فاعلا في الحياة العامة في البلاد ،
خاصة وأن " الثورة" لم تكنس رجال العهد السابق ، ولا أتت بطاقم ثوري للحكم ، ولكنه لم ينجح في إعادة بناء نفسه أو
اصطفاء قيادة جديدة موحدة قادرة على ملء
الفراغ ، فجاء الحل القضائي غير القانوني ولا المساير لما نادى به من خرج في
مظاهرات 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 من حرية منافيا لطبيعة مطالب الثورة ، جاء على يدي طلب
وزير الداخلية آنذاك ( القاضي الراجحي
) يقال إن مستشارته المسموعة كانت سهام بن
سدرين ، التي لا تتفق الأقوال حول توجهاتها وإن بدا لاحقا أن النهضة هي حاميتها.
المهم هو أن
الحزب الحر الدستوري والحر هنا تعني الليبيرالي ، في مواجهة مع توجهات الاشتراكية
الدولية ، بعيد الحرب العالمية الأولى ، بقصد عدم الاصطدام مع السلطات الفرنسية ، ورغم أن محمود الماطري
أول رئيس للحزب بعد الانشقاق ، كان خلال إقامته الطلابية في باريس ،يحمل بطاقة
الحزب الشيوعي الفرنسي ، فإن القيادة القديمة للحزب والقيادة الجديدة أعلنت بعدها
عن الفكر الاشتراكي ، سواء لأسباب عقائدية ، أو لأسباب انتهازية.
وإذ تعتبر
السيدة الاستاذة عبيرموسي نفسها ، زعيمة
للحزب الدستوري الحر ، باعتباره وريثا للحزب الحر الدستوري ، فإنها أبعد من أن
تحقق إجماعا حولها ، والمحاولات متواصلة
لدى حوالي 20 من المجموعات على الأقل كل منها ، تدعي أنها استمرار للحزب التاريخي
، ليس من بينها من عاد لاستعمال كلمة التجمع ، إيمانا منهم جميعا ، بأن التجمع
الدستوري لا يعتبر مقياسا جيدا للاستقطاب أو التجميع.
وإذ تجري
محاولة "جدية " يقوم عليها السيد عبد الكريم غومة ، المقرب جدا من الرئيس الأسبق بن علي في فترة ما قبل أن يصيبه غضب السيدة ليلى الطرابلسي ، باتصال مع الرئيس الأسبق ، في
محاولة لاستجلاب السيد حامد القروي الوزير الأول الأسبق وأحد الزعامات التاريخية
للحزب الدستوري ، الذي يتعلل بارتفاع سنه للقول ، بأنه يؤيد المسعى دون أن يكون له
مطمح في عودة إلى زعامة ، وإذ كلف السيد كمال الحاج ساسي بتنظيم ملتقى للدستوريين
القابلين بالمسعى في 18 جانفي ، وهو موعد تاريخي في مسار حزب الدستور وحتى في مسار
البلاد ، فإن الظروف لم " تسمح" والتجميع لم يحصل ، وتأجل على ما يبدو
ليوم 2 مارس وهو موعد آخر في تاريخ الحزب الدستوري .
غير أن للمرء
أن يتساءل إن كانت إعادة الحياة للحزب الدستوري ممكنة أم لا ؟
فالحزب الذي
كان حاكما ، والبعض يقول محكوم مر بأربعة أطوار :
** طور
الدستور القديم بزعامة عبد العزيز الثعالبي في 1920
** طور
الدستور الجديد بزعامة محمود الماطري ثم الحبيب بورقيبة في 1934
** طور
الانتقال إلى تسمية الحزب الاشتراكي الدستوري وتغيير كبير في مساره في سنة 1964
** طور
التحول إلى تجمع دستوري في سنة 1988
وإذ لكل طور
خصائصه ، فللمرء أن يتوقف عند أمرين اثنين بارزين في حياة الحزب الذي قاد مرحلة
الكفاح ثم بناء الدولة ، فقد بدأ الحزب يتحول من تنظيم سياسي قائم بذاته ، إلى حزب
للدولة بداية من الاستقلال في سنة 1956 /1957 ، وتعمق ذلك بعد أن تقرر إنهاء
الجامعات الدستورية المنتخبة من القواعد ،
والإستعاضة عنها بمندوبيات الحزب التي يتم تعيين مندوبيها بدل الانتخاب ، ثم لجان
التنيسيق التي تكون عضويتها "بالانتخاب " ولكن تسند رئاستها للوالي أي للإدارة
أي للسلطة والدولة ، وصولا في سنة 1964 ومؤتمر "المصير " خريف ذلك العام حيث بات الحزب على شاكلة
الأحزاب الشيوعية ، أي حزب الدولة ، وبعد المجلس الملي أطلق كما الشأن في الأحزاب
الشيوعية على جهاز القرار بين مؤتمرين اللجنة المركزية ، وأقحم الوزراء صلب اللجنة
المركزية التي " ينتخب " أعضاؤها " من قبل المؤتمر وفقا لما تحدده القيادة
الحكومية ، وتم إخضاع الحزب الاشتراكي الدستوري لأجهزة الدولة ، بل وأقحم وجوده في
الدستور عبر مجلس الجمهورية الذي يضم الوزراء وأعضاء الديوان السياسي.
منذ ذلك
الحين كف حزب الدستور أن يكون صاحب قرار وبات القرار ، بيد السلطة الحاكمة مركزيا
وفي الجهات ، وتم تكليفه لا بنقل طلبات المواطنين من أسفل إلى أعلى ، بل أوامر
السلطة التنفيذية المتغولة من فوق إلى تحت .
ولم يعد حزبا
حاكما بل بات حزبا محكوما ، وانتفت عن أعضائه من وجهة نظرنا صفة المناضلين ، بحيث
باتوا غالبا أداة للدولة المتسلطة ، وقامت الإدارة إلى حد كبير في التحكم في
الدولة وحزب الدولة ، بدل أن تكون الإدارة والدولة خاضعان لتوجهات الحزب الذي لم
يعد من وجهة نظرنا حاكما .
وسنرى حركة
النهضة تسير على نفس الخط عندما حكمت في إطار الترويكا بين 2012 و2013 ، وهو شأن
الأحزاب أو الحكومات التوتاليتارية .
ماذا نتج عن
ذلك ؟
بما أن أي
عضو organe لا يشتغل فمآله الضمور وتلك قاعدة بيولوجية ، فإن حزب الدستور أصابه
ضمور لا في عدد منخرطيه ، بل إن الانخراط والجري للمسؤولية عملية انتهازية ، لا
كما كان الأمر أيام الكفاح ومواجهة الاستعمار ، ولكن في دوره "كحزب يعلن أنه
حزب حاكم أو يظن نفسه كذلك "، ولما ضمر دوره ، فإنه امتلأ لا
بالمناضلين وإنما بالوظفين أو أنه خضع للموظفين ، فارتقى التكنوقراط إلى مناصب
الوزراء ، وارتقى من هم أقل شأنا إلى مناصب الولاة والمعتمدين ورؤساء الشركات ،
دون إرادة فعلية نضالية .
ففي سنة 1984
وبعد ثورة الخبز ، قلت للوزير الأول خلال مقابلة صحفية آنذاك وكان يفخربأن استقبالا حافلا كان ينظم له
في كل أسبوع بضاحية من الضواحي ، قلت له لا تستطيع أن تقنعني ، بأن حزبا يهاجم
أناس مقراته الجهوية ، ويدخلونها عنوة ، ويكسرون أثاثها ومكاتبها وهو ما حصل أيضا في ديسمبر وجانفي
2010/2011، دون أن يوجد مناضلون يدافعون عنها حتى بمكانس في أيديهم ، لا يعتبر من وجهة نظري حزبا ، بل شتات من
إداريين لا يحملون حماس المناضلين.