بكل هدوء
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
هل بقي في
تونس شعب ؟
تونس /
الصواب / 04/03/2018
قبل سنوات
قليلة وفي ربيع 2012 حبر ( مع تشديد
الباء) مصطفى الفيلالي مقالا يكتب بماء
الذهب ، عنونه " هل بقيت في تونس دولة ؟" ، وجاء الوقت اليوم ، لنكتب من
جهتنا مقالا بعنوان : " هل بقي في تونس شعب؟".
فقد حملت
إلينا الأخبار ما مفاده أن المجمع الكيمياوي بمصانعه الضخمة التي كانت تدر على
البلاد " الخير والبركة " ، سيضطر لعدم دفع أجور عماله ، المنبثين في
صفاقس والصخيرة وقابس والمتلوي ، ويعم خيرها كل أنحاء البلاد ، وما يستتبع ذلك من عدم دفع أجور عمال الحوض
المنجمي في قفصة ، أي حرمان حوالي 30 ألفا
من المواطنين ، من مرتباتهم بما يستتبعهم مباشرة وبصورة غير مباشرة ، من حوالي 300 ألف مواطن من مصدر الرزق.
في الأثناء
وعلى مدى السنوات السبع الأخيرة ، انحدر دخل البلاد بصورة خطيرة، لا فقط بسبب
انهيار إنتاج الفوسفاط ، بل كذلك البترول ، وإنتاج الصناعات المعملية ، وغيرها من
القطاعات التي باتت تشهد إضرابات متواليـــة وطويلة الأمد ، بل وصدا عن العمل أو
ما يعبر عنه قانونيا بمنع حرية العمل ، والذي يدخل تحت طائلة القانون الجزائي ،
ويستوجب في البلدان المتقدمة ، وحتى الدول الأقل تقدما مثلما كانت تونس ـ عندما
كانت فيها دولة – عقوبات نص عليها القانون .
وفيما عدا
سنة واحدة في العام 2012 عرفت فيها البلاد نسبة نمو ( اصطناعية وغير حقيقية )
بحوالي 3 في المائة ، نتيجة ارتفاع انفجاري exponentiel
في الأجور ، بعد قبول عدة عشرات الألوف من الموظفين الجدد ورفع الأجور
بصورة لا طبيعية ، ولا مستجيبة لزيادة لا في الإنتاج ولا الإنتاجية ، بل لاستخدام
الألوف من الموظفين وشبه الموظفين الجدد ،
الوافدين أساسا من حزب حركة النهضة الحاكمة ، بما يرفع اصطناعيا في نسبة النمو المتأتية من الإدارة ،
التي تحسب الأجور فيها دون غيرها ثروة جديدة
لا أثر حقيقي لها في رفع نسبة النمو بصورة صحيحة ، ، فيما عدا تلك النسبة
المصطنعة ، فإن البلاد لم تعرف نسبة نمو تساير وتتسق مع ما كانت عليه البلاد قبل
الثورة ، بقطع النظر عن المكسب الكبير والذي لا يمكن نكرانه ، من انتشار الممارسة
الديمقراطية بكل أشكالها.
وباستثناء
أقلية من المحظوظين ممن ارتفعت مداخيلهم
سواء في القطاع الخاص أو قطاع الموظفين نتيجة زيادات غير منضبطة ولا منطقية
في الموارد ، فإن غالبية الشعب يشهد من عام إلى آخر تراجعا كبير في القدرة
الشرائية ، ما أدى إلى سحق طبقة وسطى كانت تعتبر محرك التنمية ، سواء بإنتاجها
وإنتاجيتها المتصاعدة ، أو بسبب قدراتها الاستهلاكية التي استنفدت اليوم وأصبحت في
خبر كان.
واستتباعا
لذلك أخذ الانهيار يصيب اقتصادا ، فقد بوصلته ، فغابت التوازنات جميعها ، وتدهور
وضع المواطنين ، وإذ تدنى الدخل الحقيقي للفرد ، فقد تعاظم عبء الضرائب ،
والاقتطاعات الاجتماعية والتضخم المنفلت ،
وإذ ارتفع الدخل الفردي من 5 آلاف إلى 7 آلاف دينار ( نظريا ) ، فقد تدهور في
قيمته نتيجة تدهور الدينار بالقيمة الثابتة ، وبات الدخل الفردي الذي كان يصل إلى
ما يقارب 5 آلاف دولار ، قبل 7 سنوات إلى مستوى
ما يقل عن 4 آلاف دينار ، وذلك هو المقياس الصحيح.
وإذ كان
لاضطراب العوامل الاقتصادية ، ومنها انهيار السياحة ، والجفاف ، وتأخر اتخاذ
قرارات إدخال الإصلاحات الضرورية منذ2012 ما أدى بوزير مصلح مثل حسين الديماسي
للاستقالة ، تأثيرات لا يمكن لأحد إنكارها
نتيجة ظروف قاهرة مثل استشراء الإرهاب ، وهو نتـــاج تسيب ملحوظ مدة حكم الترويكا
، فلعل للإضرابات المتوالية والطويلة الأمد ، وشل حركة الإنتاج الأثر الأكبر في
انهيار اقتصادي ، سيصعب تجاوزه في زمن منظور ، بعد انفجار المديونية ، وتحول
العوامل الاقتصادية السلبية ، من حالة الوقتية إلى الهيكلية.
وإذ للمرء أن
يتوقف عند أثر الإضرابات غير الشرعية ولا
القانونية ، ومنع حرية العمل ، والصد عنه ، وعجز الحكومات المتعاقبة ، منذ 2012 عن
وقف هذا الحال، فإنه للمرء أيضا بالعودة إلى انفجار حجم المديونية الجديدة
وطبيعتها ، واتجاهها لا لإنجاز مشروعات جديدة تنتج ثروة ، وتوفر فرص العمل بالحجم
الكافي ، أن يلاحظ أن جزء هاما من تلك المديونية ، نتج عن تقهقر إنتاج الفوسفاط
خاصة والبترول بصورة أقل ، بعد أن أصبحت الإضرابات غير الشرعية وغير القانونية
موضة يومية ، يتآكل أمامها اقتصاد يترنح ، ولا أفق أمامه مهما قيل ، كل ذلك نتيجة
غياب الدولة ، أو ما وصفه حكيم تونس
مــــصطفى الفيلالي في مقاله " هل بقيت في تونس دولة ؟ ".
وإذ اتفقنا
على أنه لم يبق في تونس إلا شبح دولة "لا تبل ولا تعل" ، فللمرء أن
يتساءل أين هو هذا الشعب الذي كان ينبغي أن يدافع عن نفسه ، وعن مصيره ومصير
أبنائه وأحفاده.
هل أصبح جثة
هامدة ، وهو يرى أقلية ، تعبث بقوته ، وهو يرى الذين يمنعون حرية العمل يتبجحون
على شاشات التلفزيون ، وأثيــر الإذاعات ، وأعمدة الصحف ، دون حساب ولا عقاب ،
بأعمالهم وتحركاتهم اللاقانونية والتي ترتهن قوت الشعب ومستقبله ، وتمنع إقلاعه
الاقتصادي ، وتدفعه دفعا إلى إفلاس محقق مثل ما هو المصير المنتظر للمجمع
الكيمياوي ، وأين هي طلائعه ، وأين هو مجتمعه المدني ، وهو يرى البلاد رهينة بين أيدي
من يمنعون عنه رغيفه ، ومن يمنعون عن أبنائه من التلاميذ رؤية نتيجة جهدهم ، في
مدرسة عمومية أصبحت بفضلهم شبحا لما كانت عليه ، وهم الذين تدهورت ساعات عملهم حتى
إلى الثلثين تحت ضغط مطلبية قصوى لا مثيل لها في أي بلد في العالم.
هل إن الشعب
التونسي بات شعبا بلا حرك ، مثل دولته ، أم "هل بقي في تونس شعب؟"