Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الاثنين، 25 مايو 2015

الموقف السياسي : من سيكون الرئيس المقبل بعد ولاية السبسي كاملة أو منقوصة؟

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
انطلاق سباق الرئاسة قبل الأوان
تونس/ الصواب / 25/05/2015
هل يكون سباق الرئاسة قد انطلق قبل الأوان ؟
فبعد 6 أشهر فقط أو تكاد على الانتخابات الرئاسية ، بات الحديث عن انتخابات رئاسية إما سابقة لأوانها ، أو في موعدها ، ولكن ينبغي الاستعداد لها بصورة مسبقة جدا أمر على الكثير من الألسن وحديث الصالونات ، والإشارات الخفية أو الواضحة.
والرئيس قائد السبسي بعد أن يكون قد صرف النظر عن توريث ابنه للرئاسة ، رغم ما يقال من إلحاح محيطه المقرب ، يبدو أنه بصدد حسم أمره.
وإذ تسري إشاعات كثيرة حول حالته الصحية ، وهي إشاعات لا يبدو أن هناك من يستطيع إثبات سوء تلك الصحة أو تدهورها  ، وهي لا تمنعه باعتبار  قلة صلاحياته من تأدية دوره كاملا، دليل ذلك القدرة على إلقاء خطابات مطولة ومتماسكة، والسفر الطويل المرهق بالنسبة لأي سن، فإن ذلك لم يمنع  ، ـ والعهدة الرئاسية كما يقال في المغرب الأقصى  في بدايتها الأولى ـ ، من تداول أمر الخلافة الرئاسية ، سواء تم استكمال تلك العهدة أو انقطعت بها السبل، فإذا كانت الأعمار بيد الله فإن السن العالية، تؤهل لمغادرة الدنيا في أي وقت منتظر أو غير منتظر أكثر من السن الصغيرة أو المتوسطة .
ألم يعش بورقيبة مائة سنة بالتمام والكمال ، فهو من مواليد 1900 ( مثبت ومؤكد بعكس التاريخ الرسمي المعتمد) وكانت وفاته في سنة 2000.
ولقد حاول بورقيبة أن يضع ابنه جان الحبيب الإبن كما كان اسمه في بداية حياته  الرئاسية ، على قاعدة إطلاق نحو الرئاسة ، ولكنه انتهى إلى أنه لا يحمل من  المؤهلات ما يؤهله لذلك المنصب؟
فعاد الرئيس الأسبق إلى اختياره الأول الذي انتهى إليه أيام السجن في قاعدة سان نيكولا في مرسيليا في 1942 أو 1943، أي الهادي نويرة الذي ينتسب إلى مدينة المنستير وتمثل ذلك خصلة كبيرة ، إضافة إلى بوادر رجل دولة يتميز بثبات على المواقف ، وصرامة في السلوك والحرص على الإتقان إلى حد مرضي.
هل يكون الباجي قائد السبسي قد صرف نظره عن توريث ابنه ، وبحث في محيطه  السياسي عن شخص آخر يستجيب للمواصفات التي يريدها في الخليفة؟.
**
 من هنا ربما يكون محسن مرزوق الشاب اللبق ،   الخطيب الجيد ، والمتمتع بقوة إقناع كبيرة ، والماسك بقدرة أكبر  على النقاش والجدل ، والذي يتميز بسرعة بديهة نادرة ، متأتية من فترة يساريته المفرطة الدغمائية  ، التي استعاض عنها  بنوع فريد من الواقعية السياسية التي قد تكون مفرطة في البراغماتية، إلى حد الماكييفيلية، هو المرشح قبل الأوان أو سيكون المرشح قبل الأوان للرئاسة ، في عهدتها المقبلة مهما كان أوانها.
والذين يعرفون محسن مرزوق عن قرب، يدركون أن طموحه بلا حدود، وأنه يرى في نفسه الكفاءة اللازمة لشغل المنصب الأول، بعد أول رئيس دائم للجمهورية الثانية.
فقد صحبه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة ، وهي الزيارة التي تتجاوز في أهميتها الإستراتيجية زيارة الدولة إلى فرنسا ، الزيارة التي يقدر المراقبون أنها لم تنته إلى نتيجة تذكر ، فالباجي قائد السبسي رغم أهمية مفهوم الدولة لديه ، لا يمكن أن ينسى أن  الرئيس هولاند والحزب الاشتراكي الفرنسي ، قد فضلا تأييد المرشح المنافس منصف المرزوقي عليه إلى آخر لحظة ، في ظاهرة عمى سياسي مفرط ، ويعزو البعض "الخطأ" الذي ارتكبه السبسي في باردو عندما توجه إلى هولاند بتسميته "ميتران " هو خطأ مقصود ومبيت (؟؟) ، ثم إنه عندما ترك لمحسن مرزوق "شرف" التوقيع على مذكرة تعتبر غاية في الأهمية إستراتيجيا ، فإنه لم يفعل ذلك صدفة ، فالمعروف أن خطوات الباجي قائد السبسي دائما محسوبة.
على أن الأهم من كل ذلك هو ، ما حصل من الاتجاه لتعيين محسن مرزوق أمينا عاما لحزب نداء تونس ، وهو ما اعتبر وضعه على قاعدة انطلاق ، أولا نحو الأمانة العامة للحزب بعد المؤتمر المقبل خلال أسابيع ، وثانيا نحو جعله الوريث المعين للخلافة عندما يحين الأوان.
تلك إشارات لا تخطئ عادة في عالم السياسة ، والسياسيون المطلعون يقرؤونها جيدا ، ويتقنون تفسير أبعادها ، ونتائجها المتوقعة.
**
لكن محسن مرزوق ليس المرشح الوحيد، بل لعله سيجد منافسة داخلية وخارجية قوية.
داخلية في أوساط نداء تونس ، وإذ يبدو أن رئيس الحزب محمد الناصر ليس في الوارد أن يكون هو المرشح،  فإن  نواب الرئيس الثلاثة وفي انتظار المؤتمر لم يلقوا بأوراقهم ، كما إن مجموعة كبرى ترى نفسها أكثر جدارة ، من  هذا "الطفل" المدلل محسن مرزوق، والذي لا ترى فيه شخصا في المستوى المناسب للمنصب ، وإن كان البعض منهم يرى أن المنصب الذي تولاه الرئيس السابق منصف المرزوقي ، يمكن أن يتولاه أي كان ولن يكون أسوأ أداء.
أما المنافسة الخارجية فإنها ستكون شديدة ومتعددة، ولعل أقوى المنافسين لمرزوق هو نبيل القروي صاحب قناة نسمة.
فلا أحد اليوم يمكن أن يتنبأ بأن القروي من هنا وإلى مؤتمر النداء ، لن يلتحق بالحزب الأكبر في البلاد حاليا ، رغم ما يشقه من خلافات ـ ، ويكون منافسا شديدا لمحسن مرزوق ويتحول من منافس خارجي إلى منافس داخلي ، قوي الشكيمة ، وكل الذين يقفون ضد مرزوق سيجدون أنفسهم في هذه الحالة مصطفين وراء نبيل القروي، الذي أعلن صراحة على قناته نسمة ، أنه سيدخل معترك السياسة بكل ثقة في النفس ، مستعرضا عضلاته في الدور الذي قام به في صائفة 2013 بين السبسي والغنوشي.
ولكن العائق الأكبر وفقا للقانون الحالي، هو أن القروي لا يمكن أن يكون متحزبا معلنا بقوة ، ورجل سياسة مرشحا لأعلى منصب في الدولة، وصاحب قناة تلفزيونية أو إذاعية.
ولهذاالسبب تم رفض أكثر من مرشح للرئاسة في الانتخابات الأخيرة، ممن يملكون قنوات تلفزيونية أو إذاعية.
ومن جهته فإن نبيل القروي ، يملك أورقا رابحة  ومنها ، أنه سيكون مسنودا ومدعوما من قناة ذات وزن وتأثير هي قناة نسمة ، التي وقفت بالكامل وراء السبسي في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة ، وأسهمت ولا شك في نجاحه، فيما إن المرزوقي لم يستطع أن يقوم بتعبئة إلا قنوات ثانوية ، ليس لها وزن لا كبير ولا صغير في الأوديمات.
غير أن للعملة مهما كانت رابحة قفا آخر يمكن أن يكون خاسرا، فترشح نبيل القروي مع ما هو معروف عن الدعم الذي سيجده من نسمة سواء بقي على رأسها أم لا(؟) ، سيجعل القنوات الأخرى ومنها ثلاث أو أربع تفوق نسمة تأثيرا في موقع مضاد له.
ورجل مثل نبيل القروي ، كان في نظر الكثيرين مقنعا خلال الخرجة الأولى التي أتاها على قناته نسمة ، وقد قاده بحذق المنشط الموهوب (رغم كل شيء) برهان بسيس على طريق سالكة، ودفعه خاصة في الحلقة الثانية إلى نسبة من المشاهدة عالية.
**
غير أن من المجازفة القول اليوم بأن هاتين الشخصيتين ستحتكران الساحة.
فحركة النهضة لم تقل كلمتها لا الأولى ولا الأخيرة ، وهي إن لم ترشح أحدا من صفوفها في الانتخابات الأخيرة ، فإنها بتأييد منصف المرزوقي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ( رغم إعلان الحياد  صوريا) قد ضمنت له حوالي 45 في المائة من الأصوات ، ظن سريعا أنها أصوات انصبت إليه بينما يقدر الخبراء أن غالبها من النهضة ، ومن المعارضين أساسا  للباجي قائد السبسي.
وإذ يعتقد البعض أن النهضة ستفصح عن اسم مرشحها بعد مؤتمرها المقرر لأسابيع مقبلة قليلة ، فإن غالب المراقبين يعتقدون بأن النهضة لن تكشف أوراقها إلا قبل الانتخابات الرئاسية بمدة معقولة ، لا تكون قريبة ، حتى لا تحرق مرشحها، ولا تكون بعيدة بحيث لا تجعله يتمكن من التعريف بنفسه وببرنامج حزبه بما فيه الكفاية.
**
من المنطق الاعتقاد ـ إلا إذا حصلت مفاجأة كبرى ـ بأن هؤلاء الثلاثة الذين سينحصرأساسا بينهم السباق.
ولكن الوقت الفاصل ، إذا استمرت العهدة الرئاسية إلى مداها ، يمكن  أن تحدث معه مفاجآت قد تكون كبرى.
أما بقية المرشحين المحتملين فهم أو على الأصح من بينهم:
-        منصف المرزوقي الذي يسود اقتناع كبير بأنه سيكون مرشحا ، رغم وعده بعدم الترشح مستقبلا ، إن لم يفز في الانتخابات الرئاسية السابقة، وبالطبع فإنه لم يفز ، ولكن وعود رجال السياسة ليس لها في الغالب غد.
-        أحمد نجيب الشابي، الذي يعتقد الكثير من المراقبين السياسيين ، أنه فقد كل أمل بعد أن فاته قطار الانتخابات الرئاسية في 2011 ، عندما كان يسعى لتعديل دستوري لدستور 1959، وكان المرشح الأبرز وقتها للرئاسة ، ولكن اختيار انتخاب مجلس تأسيسي فوت عليه فرصة لا يبدو أنه سيستعيدها.
-        مصطفى بن جعفر الذي خرج كما يقول المصريون من المولد بلا حمص فلم يفز ولو بمقعد واحد في البرلمان الجديد وسقط سقوطا ذريعا في الرئاسيات.
-        على أن أسماء أخرى تبقى قابلة للمنافسة في حدود ضعيفة إلا إذا ما حدثت مفاجآت ، منها المهدي جمعة رئيس الحكومة السابق ، ومصطفى كمال النابلي الذي يبقى فرسا رابحا لما له من علاقات قوية في المجال الاقتصادي الدولي ، وكمال مرجان الذي يجد تأييدا خارجيا كبيرا.
-        غير أن القائمة يمكن أن تطول ولكنها لن تطول كما كان الأمر خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2014، وذلك على الأقل لسببين :
-        السبب الأول والأكبر يعود للتجربة المريرة للكثير من الذين ترشحوا وتم استبعادهم حتى قبل الدور الأول، ولا يعتقد أنهم سيعيدون الكرة.
-         السبب الثاني مع ما ينتظر أن يقع إدخاله من تعديلات على المجلة الانتخابية ، بصورة تستبعد الترشحات الموصوفة بغير الجدية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق