بكل هدوء
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الفضائح المتتالية و المدوية..
وغياب قيم وأخلاق ..
الصواب / تونس في /11/02/2018
من كثرة ما شهدت من مآسي في حياتي الطويلة ، فقد كنت أعتقد نفسي محصنا عن
الإحساس بدمار ، مثل ذلك الذي أشعر به اليوم ، فقد عايشت الموت في بنزرت وأنا في
بداية حياتي الصحفية ، وعايشته في الأردن بعد هزيمة سنة 1967 ، وفي الصومال سنة
1993 وأنا أنام وأستيقظ على دوي قنابل
المدفعية في المعسكر التونسي الذي كان هو وكل الوحدات المرسلة هناك من عدد من
البلدان تحت لواء الأمم المتحدة والحراسة المشددة للولايات المتحدة ، ومثل ذلك
الذي شعرت به وأنا مستهدف لمواقفي الصحفية
أمام مظاهر الاستبداد ، ولكني قط لم أشعر
بدمار داخلي مثل الذي أشعر به هذه الأيام والذي أصابني بإحباط ليس نفسي فقط بل
بدني أ فقدني الشهية عن الأكل والرغبة في النوم ، والراحة النفسية التي يشعر بها
المرء وقد أدى الواجب ، أو ما يعتقد بأنه أدى الواجب في راحة من ضميره الوحيد الذي
يملي عليه ما يصنعه أو يقوله أو يكتبه أو
يفعله .
لكنني هذه المرة انتابني شعور طاغ ،
بأن الحياة لا تستحق أن تُعاش ، وبأن زيفا ما فوقه زيف هو الذي يحرك الناس ، أن
يفقد المرء الثقة في الناس أكاد أقول كل الناس ، لهو أمر مدمر .
هذه قضية جوسسة تطل علينا بـ
"شخصيات " كانت عتيدة في الاعتبار ، حركتها ولا شك مطامع مادية ، قتلت
ضميرها ، ففقدت وطنيتها وأضاعت بوصلتها.
والأدهى والأمر ، هذا الوضع الذي وضع
فيه البعض بلادنا بؤبؤ أعيننا ، فيه ، وإذ
لا يكفي بعد التصنيفات المتراجعة ، أن توضع بلادنا في خانة الملاذات الضريبية ، وتبقى فيها ولو في
درجة أقل رمادية اللون ولكنها غير مشرفة ، فازداد الحال سوء بأن توضع البلاد في صف
وضعية غسيل الأموال القذرة وتمويل الإرهاب ، وهي أسوأ الأوضاع من وجهة نظري بالمطلق ، لأنها
تنبئ عن سوء النية من جهة ، وعن عجز الحكام الجدد إن لم يكن تواطئهم ، في وقت كانت
الثورة بقطع النظر عن كل شيء دفعت بالأمل الوردي إلى النفوس ، وخلقت في الأعماق
دفعة من التطلع إلى مستقبل قوامه لا فقط الممارسة الديمقراطية ، والحفاظ على المكاسب
، وسيادة الأخلاق العالية.
ولكن لا شيء من ذلك تحقق فالممارسة
الديمقراطية تحولت إلى محاصصة حزبية بكل ما تعني من تقاسم المغانم وفساد سياسي وتوافق أعرج ، والمكاسب أخذ الأمر
بالتراجع عنها والعودة " بالتدافع الاجتماعي "إلى ما قبل عهود التنوير ،
أما الأخلاق العالية ، التي افتقدنا جانبا كبيرا منها على نطاق ضيق وفي مستوى
عائلي أيام حكم الرئيس الأسبق بن علي ، فقد افتقدناها بالكامل بعد الثورة ، دليلنا
على ذلك تقرير منظمة "قافي " (1)
الذي اعتمده البرلمان الأوروبي لوضع بلادنا على أسوء قائمة سوداء لا تشرف أحدا ،
وتبرز أننا بلا أخلاق ، وبأن الثقة ليست ديدننا ، وأننا كبلد بيننا وبين القيم
السامية النبيلة بون شاسع ، وهذه ليست أخلاق ثورة ولا هم يحزنون.
كيف لا يصيب المرء ، وقد بنا حياته
على الأخلاق والقيم العالية ، اليأس والإحباط ، وقد تمنى بعد الثورة أن يعيش في
بلد الكفاية والعدل ، أن يعيش في بلد القيم والأخلاق العالية ، ليتساءل ماذا نترك
لأبنائنا ولأحفادنا ، ليس من ثروة زائلة ، فلا أحد ذهب للقبر وحمل معه مالا أو
متاعا ، ذهبا أو ألماسا ، ولكن من ثروة قيم وأخلاق عالية يستطيع أولئك الأبناء
والأحفاد أن يبنوا عليها مسارهم مرفوعي الرؤوس ، وأنا أقرأ التقرير بصفحاته الـ
209 أشعر مع كل سطر ، بأن شيئا ينفصل ، فلا أجد في نفسي وأنا المواطن كم كنت ساذجا وأنا أغمض
عيني على ما أرى وما أسمع.
ويزداد حزني ، والقضية اليوم هي هل إن
الشاذلي العياري أو غيره سيستقيل أم لا ، أم إنه سيتشبث بحركة النهضة كما يقال لمحاولة إبقائه ، وكان عليه وفقا لما أتصور من موقف السياسي أنه سيتنحى ذاتيا ،
وإن كان براء مما سيحمله من تبعات تقرير ، هو مسؤول عما جاء فيه بالأولوية ،
وبالمشاركة مع كل الذين حكمونا طيلة 7 سنوات.
اليوم فهمنا ، لماذا أقيل مصطفى كمال النابلي
سنة 2012، وهل إن إقالته هي التي فتحت الباب لما سيأتي لاحقا في هذا التقرير المعتمد من قبل البرلمان الأوروبي ، ثم أم تكون تلك الإقالة
هي التي من تبعاتها التجاوزات التي وضعت بلادنا في هذا الحضيض ، وهل كانت تلك
الإقالة قصدية وبهدف معين ، أم ؟؟؟؟
سؤال أطرحه ،
وإذ لا أتهم أحدا ، فإن اعتقادي راسخ بأن مسؤولية سياسية ثقيلة متوفرة ، وهذه
تتطلب الإطاحة برؤوس على المستوى السياسي ،
بقطع النظر عن أي مسؤولية جزائية ، لا نتمناها للسياسيين ،إلا في حالات تهم مادية مثبتة بأدلة لا يتطرق لها الشك .
(1)
MENA FATF
مينا فاتف
Mesures de lutte contre le
Blanchissement de capitaux
Et le financement du
Terrorisme
Tunisie
Rapport d’évaluation mutuelle
Mai 2016
لم تكن النسخة الجديدة المعتمدة حديثا من البرلمان
الأوروبي قد أتيحت بعد.